اجتماعات كثيرة، نتائج هزيلة، ووجود إعلامى ضعيف مع غياب بيان ختامى، هذا هو حصاد الاجتماع الوزارى السابع لمنظمة التجارة العالمية فى جنيف. فشل المؤتمر الوزارى السابع لمنظمة التجارة العالمية فى تقريب وجهات النظر بين الدول الأعضاء، النامية والمتقدمة، حول الملفات الشائكة الرئيسية، والتى تعطل جولة الدوحة للتنمية منذ 2001. والنتائج تتفق مع التوقعات، فكان باسكال لامى، المدير العام للمنظمة، قد أعلن قبل بدء فعاليات المؤتمر، أن الاجتماعات ليست للتفاوض، حيث لن يتم التطرق لملفات الدوحة، وأن هذا الاجتماع لن يناقش سوى دور المنظمة فى مواجهة الأزمة، بالإضافة إلى إعادة هيكلة دور المنظمة. وهذا بالفعل ما حدث، فقد سيطر على الجلسات الختامية للمؤتمر الحديث عن موعد الاجتماعات المقبلة، دون التطرق إلى فحواها. وتم الاتفاق بين الدول الأعضاء على ان يعودوا مرة أخرى إلى جنيف فى الخامس عشر من ديسمبر الحالى، من أجل مناقشة ملفات الدوحة، على أن يتم عقد اجتماع وزارى مصغر فى الربع الأول من العام المقبل لتقييم الوضع. «إنهاء مفاوضات الدوحة فى 2010 أصبح تحديا فى ظل الظروف الراهنة، ولكن هذا التحدى قد يكون سببا فى اجتهاد الدول للتعجيل بإنجازه»، يقول لامى. ووسط الأصوات العالمية المطالبة بتعجيل جولة المفاوضات، لتبدأ كل من الدول المتقدمة والنامية فى جمع حصادها، الذى قدره وزير التجارة الصينى ب500 مليار دولار، تضاف للاقتصاد العالمى، ظهرت دراسة أمريكية على هامش المؤتمر تقلل من هذه المكاسب. وتبعا للدراسة التى أصدرها المعهد الدولى لبحوث سياسة الغذاء، الذى يتخذ من واشنطن مقرا له، فإن مكاسب الدول النامية من اتفاقية الدوحة، التى تهدف فى الأساس إلى دفع التنمية بها، قليلة للغاية. فقد ذكرت الدراسة أن قيمة ما يتم التفاوض بشأنه فى الجولة يرفع الدخل العالمى بنسبة 0,09% فقط، أو بمقدار 70 مليار دولار سنويا. وأرجعت الدراسة قلة المكاسب مقارنة بما كان متوقعا عند بدء جولة المفاوضات الحالية بالتغير فى شكل الاقتصاد العالمى خلال تلك الفترة خاصة مع ظهور البرازيل والهند والصين كقوى اقتصادية وتجارية. نجاحات محدودة وبينما جاءت نتائج المؤتمر هزيلة، فإن هناك عدة دول نامية حققت مكاسب، ولعل أهمها هو ما جاء قرب انتهاء «حرب الموز» الدائرة منذ 16 عاما بين مزارعى دول الكاريبى والمحيط الهادى مع الاتحاد الأوروبى. فسيتم غدا التوقيع على اتفاق بين تلك الأطراف لخفض التعريفة المدفوعة على صادرات الموز من تلك الدول، وبموجب هذا الاتفاق سيحصل مزارعو الموز على تعويضات قدرها 4.301 مليار دولار. بالإضافة إلى ذلك، قامت 22 دولة بالتوقيع، أمس الأول، على اتفاق النظام الشامل للأفضلية التجارية فىما بينها، والتى ارتضت فيه هذه الدول تخفيض الرسوم الجمركية على 80% من صادراتها لبعضها، بنسبة 20%، والتى ستنتج عنها مكاسب قدرتها الأونكتاد بأكثر من 8 مليارات جنيه. ملفات معلقة استمرت الملفات الجدلية، والتى تتعلق بصادرات الحاصلات الزراعية وتجارة الحاصلات غير الزراعية والنفاذ إلى الأسواق للدول الأقل فقرا، كما هى. فقد ظلت مسألة نفاذ بضائع الدول النامية إلى أسواق الدول المتقدمة دون حراك. وذلك رغم تسببها فى تشوهات فى النظام التجارى العالمى، ألقى عليها الضوء صحفى من كمبوديا، حينما سأل الممثل التجارى الأمريكى رون كيرك، عن رأيه فى أن بنجلاديش وكمبوديا، وكلتاهما من الدول التى يطلق عليها الدول الأقل نموا، قد صدرتا ما قيمته 7.3 مليار، و2.4 مليار دولار إلى الولاياتالمتحدة فى العام الماضى، وسددا عنها جمارك تقدر بنحو 507 و407 ملايين دولار على التوالى، وهو تقريبا متوسط ما سددته فرنسا وبريطانيا، المنتميتان لمجموعة الدول المتقدمة، كجمارك على صادراتهما التى بلغت 58 و43 مليار دولار. «جولة الدوحة»، «ملفات الدوحة»، «ضرورة إنهاء مفاوضات الدوحة»، لقد تم ترديد كلمة الدوحة فى المؤتمر آلاف المرات، ولكنه للأسف، كما يقول ستيفن باديك، من مركز الجنوب للأبحاث (منظمة غير حكومية) لم يتم التطرق إلى الوسائل والاتفاقيات، والأهم من ذلك التسويات التى تمكننا من إحراز أى تقدم فى المفاوضات، «فالكل يغنى على ليلاه»، على حد تعبيره . «لا نستطيع طرق الأبواب بقوة أكبر»، تبعا لما قاله سلسيوم أموريوم، وزير الخارجية البرازيلى، ل«الشروق»، واصفا بهذه العبارة محاولات الدول النامية للوصول إلى تسوية مع مثيلاتها المتقدمة، ورافضا قيام المفاوضات على تقديم الدول النامية لتنازلات. أما رون كيرك، الممثل التجارى الأمريكى، الذى يمثل أقوى المفاوضين فى جولة الدوحة، فقد أشار فى مؤتمر صحفى عقب الجولة الختامية إلى أن نجاح المفاوضات يحتاج إلى تنازلات من جميع الدول، ذاكرا صراحة أن بلاده من أكثر الدول استعدادا لتقديم تنازلات، ولكن بعد الحصول على مقابل من النامية المتقدمة. «لتقدموا عروضكم لأعود بها إلى الكونجرس، ومما لا شك فيه سنرعى مصالحكم»، كما جاء على لسانه. فبرغم محاولات الدول الأفريقية الأكثر فقرا، والدول النامية الضغط على الولاياتالمتحدة من أجل إلغاء الدعم الذى تعطيه لمزارعى القطن فى بلادها وفتح أسواقها، كان الرد الأمريكى واضحا: «لن نقوم بذلك لأنه لن يحقق مصلحة هذه الدول الأكثر فقرا»، كما جاء على لسان الممثل التجارى الأمريكى، رون كيرك، مشيرا إلى أن هذه الدول لن تستطيع أن تصمد أمام منافسة الدول النامية الكبرى، فى حالة قيام أمريكا بفتح أسواقها. «فمن الأحرى أن نقوم فى بادئ الأمر بتحسين كفاءة إنتاج هذه الدول»، كما قال كيرك. ولم تتوقف الولاياتالمتحدة عن القاء الكرة فى ملعب الدول النامية، حيث صرح كيرك بأنه خلال سنوات العشر المقبلة ستسهم هذه الدول النامية المتقدمة ب58% من النمو العالمى، ومن ثم «فالدور عليها أكبر»، بحسب تعبيره، مشيرا إلى أن بلاده قدمت الكثير من أجل مساندة شركائها الفقراء. غياب ممثلى الإعلام وعلى عكس المؤتمرات الوزارية السابقة، فقد غاب ممثلو الإعلام، كما كان واضحا فى الحضور الضعيف لهم فى المؤتمرات الصحفية المنعقدة على هامش المؤتمر. و قد علق المشاركون على ذلك أكثر من مرة وأرجعوه لتدنى التوقعات لنتائجه حتى من قبل انعقاده. وعلق أموريوم، فى الجلسة المخصصة للتوقيع على اتفاق الدول ال22 للأفضلية التجارية فى آخر أيام المؤتمر، بأنه «حان الوقت لرؤية أى خبر عن المؤتمر فى الصحف والوكالات التى تجاهلته على مدار اليومين الماضيين»، تبعا لقوله.