بعد توقفه أربع سنوات، يبدأ اليوم المؤتمر الوزارى السابع لمنظمة التجارة العالمية بالعاصمة السويسرية جنيف وسط توقعات ضعيفة بإمكانية إحراز أى تقدم على مستوى المفاوضات أو الاقتراب من الهدف الخاص باستكمال جولة الدوحة. وبجانب رئاسته لوفد مصر إلى الاجتماعات فقد تم اختيار رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة لمنصب نائب رئيس المؤتمر. مؤتمر اليوم هو ثانى اجتماع وزارى يحضره رشيد وهو وزير التجارة والصناعة وكان الأول منذ أربع سنوات فى هونج كونج وهو المؤتمر الذى كثر فيه الضجيج وعلت أصوات المظاهرات وجاءت النتائج ضعيفة، ولكن «هناك فرقا كبيرا بين أجواء المؤتمرين فالجو العام والوضع الاقتصادى مختلفان تماما». وينعكس هذا الاختلاف، بحسب رشيد، على جدول أعمال المؤتمر نفسه، حيث من المتفق عليه أن تشمل اللقاءات مراجعة آليات المنظمة وقدرتها فى مواجهة الأزمة دون التطرق بعمق إلى ملفات الدوحة للتنمية، مشيرا إلى أن الظروف الاقتصادية الراهنة، وفشل جميع الاجتماعات غير الرسمية التى تم عقدها على مدار السنوات الأربع الماضية على الدفع بعجلة المفاوضات، حدت من التوقعات الإيجابية للمؤتمر. «جميع الحاضرين هذه المرة على دراية وعلى ثقة من أن هذا الاجتماع مجرد محاولة لتقريب وجهات النظر بين الدول النامية والدول المتقدمة فى محاولة للانتهاء من مفاوضات جولة الدوحة فى عام 2010»، يقول رشيد. وهذا «الطموح المتواضع»، بحسب تعبيره يختلف عن الآمال الواسعة والتطلعات التى كانت تسيطر على الدول الأعضاء قبيل مؤتمر هونج كونج فى عام 2005، ف«الجميع كان حينئذ يطمع فى إنهاء المفاوضات والتوصل إلى صيغة ترضى جميع الأطراف». وتعثرت مفاوضات جولة الدوحة منذ الاجتماع الوزارى السادس فى هونج كونج، وذلك بسبب انقسام واضح بين الدول المتقدمة والدول النامية حول ملف الزراعة خاصة ملف القطن. ففى الوقت الذى ترى فيه الدول النامية أنه حان الوقت أن تقوم الدول المتقدمة بتقليل الدعم الذى تعطيه لمزارعيها وهو الدعم الذى يصعب المنافسة على منتجات الدول النامية، فإن الدول المتقدمة تمسكت بتقديم تنازلات محدودة لم ترض الدول النامية، التى جمدت فى المقابل أى مفاوضات تتعلق بالملف الصناعى أو الخدمات. وفشلت جميع محاولات، باسكال لامى، المدير العام لمنظمة التجارة العالمية، فى تقريب وجهات النظر، والدفع بعجلة المفاوضات، حتى أنه قام بالإعلان فى يوليو 2007 عن تجميد المفاوضات بصفة نهائية. وفى يوليو 2008، تم عقد اجتماع مصغر (لا يضم جميع الدول) فى جنيف، وكادت الأطراف المشاركة أن تتوصل إلى اتفاق واضح، ولكنهم فى النهاية اختلفوا حول آليات التنفيذ الأمر الذى أدى إلى إعلان فشل هذا الاجتماع. كل هذه التطورات بالإضافة إلى ظروف الأزمة العالمية دفعت بوزير التجارة المصرى إلى عدم التفاؤل بشأن المفاوضات. «من أهم الظواهر التى أسفرت عنها الأزمة العالمية هو تفاقم معدلات البطالة، وهذه الظاهرة تغذى النزعة الحمائية لدى أى دولة، مما سيكون له مما لا شك فيه أثر واضح على سير المفاوضات والعروض والطلبات المقترحة من مختلف الدول»، على حد قول الوزير. الأزمة تضيف للمشكلات دفعت الأزمة معدلات البطالة الأمريكية لأعلى حاجز ال10% للمرة الأولى وهو ما أسفر عن خلق اعتراض شعبى كبير، كما يقول رشيد، على تقديم الدولة لأى تنازلات فى إطار تحرير التجارة فى الوقت الحالى، ووصل الأمر إلى أن طالبت مجموعة من كبار المسئولين الديمقراطيين الإدارة الأمريكيةبالانسحاب من مفاوضات جولة الدوحة والرجوع عن جميع التزاماتها تجاه المنظمة والدول الأعضاء واعتماد أجندة وطنية جديدة تهتم بحقوق العمال والتغيرات المناخية»، كما جاء على لسانه كاشفا أنه خلال لقائه مع الممثل التجارى الأمريكى رون كيرك فى زيارته للولايات المتحدة الأسبوع الماضى لمس هذا الأمر. ويعد الممثل التجارى الأمريكى أعلى مسئول تجارى فى الولاياتالمتحدة وممثل لبلاده فى المفاوضات التجارية فضلا عن كونه المستشار التجارى الأول للرئيس الأمريكى. ومن جهة أخرى فإن تغيير المسئول عن المفاوضات التجارية الأوروبية بخروج كاثرين أشتون ،المفوض التجارى الاوروبى التى مثلت الاتحاد الاوروبى فى مفاوضات الدوحة من منصبها قبل الاجتماع بأسبوعين فقط سيزيد من صعوبة التوصل إلى اتفاق. «هذان العاملان وحدهما كافيان ليدعما احتمالات عدم الانتهاء من المفاوضات هذه المرة، خاصة أن الدوران الأمريكى والأوروبى يعتبران من أهم الأدوار فى المفاوضات». وكان باسكال لامى المدير العام لمنظمة التجارة العالمية أعلن خلال زيارته إلى مصر لحضور مؤتمر وزراء التجارة الأفارقة أنه ليس من المتوقع الانتهاء من مفاوضات جولة الدوحة قبل 2010 قائلا: إن الاجتماع الوزارى السابع إنما سيكون «سياسيا أكثر منه اقتصاديا، حيث إن الهدف الأساسى منه هو إيجاد نوع من التواصل بين الأعضاء» تبعا للامى خاصة وأنه لم يتم عقد اجتماع رسمى للمنظمة على مستوى كل الدول منذ 2005 ووفقا لقوانين المنظمة، من المفترض أن يتم عقد اجتماع وزارى كل سنتين. ويرى رشيد أن ظروف الأزمة فرضت متغيرا جديدا وهو «اختلاف الأدوار»، بحسب تعبيره. فبعد أن كانت الدول المتقدمة هى التى تسارع فى تحرير التجارة وفتح الأسواق، فى مواجهة للدول النامية، انقلب الوضع الآن، تبعا لرشيد فأصبحت الدول الكبرى مثل استراليا وأمريكا واليابان هى التى تعرقل فى الوقت الحالى فتح أسواقها لمقاومة تداعيات الأزمة العالمية بينما تسعى الدول النامية وعلى رأسها الصين والهند والبرازيل إلى التعجيل بعملية تحرير التجارة فى محاولة لإيجاد أسواق تمتص نموها الاقتصادى ونشاطها الاقتصادى المتزايد. ولذلك فالهدف من هذا الاجتماع، وفقا لرشيد، هو كسر حاجز الإحباط الموجود وتقريب وجهات النظر لكى «نستطيع على الأقل الاتفاق على الانتهاء من المفاوضات فى العام المقبل»، يقول رشيد مشترطا لتحقيق هذا الهدف جدية وفعالية المواقف المختلفة للقوى الأساسية الست فيه وهى الولاياتالمتحدة، وأوروبا، والهند والبرازيل والصين والمجموعة الأفريقية. مصر والدول الأفريقية.. مصير واحد كانت الدول الأفريقية، وعلى رأسها مصر التى تعد المنسق العام للمجموعة الافريقية، قد عكفت على صياغة موقف موحد قبيل المؤتمر الوزارى للمنظمة، وقاموا بإصدار ما يسمى برسالة القاهرة لتحتوى على المطالب الأساسية لهذه الدول ومن أهمها إلغاء الدعم الذى تعطيه الدول الكبرى لمزارعى القطن بالإضافة إلى فتح أسواقها أمام المنتجات الزراعية الأفريقية، وهى المطالب الأساسية التى انبثقت أيضا عن مؤتمر هونج كونج. وكان لامى قد أشار الأسبوع الماضى إلى أن كل من الاتحاد الأوروبى والولاياتالمتحدة قد أعربوا عن نيتهم تخفيض دعمهم للقطن فيما يتراوح ما بين 70 و80% مما سيؤدى بالتبعية إلى خفض أسعار القطن عالميا. «مما لا شك فيه أن أى قرارات سيتم اتخاذها فى نهاية جولة الدوحة، وسيتم فرضها على أسواق الدول المتقدمة من أوروبا وأمريكا فيما يتعلق بتحرير الملف الزراعى وإلغاء الدعم المحلى، سيكون لها تأثيرات كبيرة جدا على ديناميكية الصناعة أو التجارة لهذه الصناعة فى العالم» يقول رشيد ضاربا مثلا بملف القطن. «إلغاء الدعم على القطن أو تخفيضه سيكون له أثر إيجابى حيث إن تنافسية الدول النامية المنتجة له ستكون أعلى لتحسن قدرتها على الإنتاج والتسويق وعلى تحقيق ربح يتيح لها التوسع، تبعا للوزير. ولكن وكما يضيف رشيد، فإن هذا التطور يعنى حدوث ارتفاع فى الأسعار، وهذا سيكون له انعكاس على الاستهلاك، وقد يدفع المستهلك إلى استبداله بألياف صناعية، ولذلك من صعب التكهن بالسيناريو المستقبلى. أما فيما يتعلق بمصر فإن قضية القطن حساسة للغاية خاصة أن المعادلة بين تكلفة انتاج القطن محليا أو تكلفة استيراده من الخارج أيهما أرخص معقدة جدا، يقول رشيد مشيرا إلى أنه من الصعب حاليا تحديد هل مصر ستلجا لزيادة المساحة المزروعة من القطن أم لا، ولكن من المؤكد أن اقتصاديات زراعة القطن ستتحسن، وبالتالى أحوال المزارع ستتحسن، مما قد ينتج عنه توسع لى الإنتاج لو أن هناك طلبا فى السوق. وبعيدا عن الملف الزراعى، هناك تحد آخر يواجه مصر، كونها أيضا المتحدث الرسمى عن أفريقيا، يتعلق بالملف الصناعى، كما قال رشيد، ضاربا مثلا بفتح أسواق مثل الولاياتالمتحدة أمام صادرات الدول النامية من الغزل والنسيج. فى هذا الصدد، يقول الوزير إن هذا تأثيره أقل بكثير من الزراعة حيث إنه ليس من المتوقع الانتهاء بسهولة من المفاوضات الخاصة به، «فالموضوع ليس مطلقا، لن نحصل على ما نطلبه بسهولة»، وحتى إذا تم الانتهاء من المفاوضات فإن تطبيقها سيتم بطريقة مرحلية على مدى خمسة عشر عاما، ولذلك، كما يقول الوزير فإن مصر «لها موقف دفاعى فيما يتعلق بفتح الأسواق أمام المنتجات الصناعية». إذا كان تحرير الزراعة من أهم ملفات أجندة مصر للمؤتمر الوزارى السابع، فإن معادلة التنمية للتجارة أيضا ملف آخر له أولوية كبرى على الأجندة المصرية فى هذا المؤتمر، فنحن «أفريقيا» نتحدث عن احتياجنا لمساعدات ومساندات مالية تنمى التجارة، من ثم يكرر الوزير النقاط الأساسية للأجندة المصرية «تحرير الملف الزراعى، التحفظ فى فتح الأسواق أمام المنتجات الصناعية، وتمويل التجارة بالإضافة إلى الضغط على الدول الأخرى لتحرير مزيد من الخدمات»، كما يقول رشيد مشيرا إلى أنه على جانب هذا المؤتمر هناك برنامج للعديد من اللقاءات الثنائية مع مسئولى التجارة فى كثير من الدول الأعضاء. وبرغم صعوبة المفاوضات والاختلافات المتوقعة بين أطراف المنظمة، إلا أن وزير التجارة والصناعة يرى أن المفاوضات لن تفشل بل ستتأخر، ف«العالم لا يمكنه الاستغناء عن منظمة التجارة العالمية فهو أشبه بالبنك المركزى العالمى»، على حد تعبيره، مشيرا إلى وجود هيئة منظمة للتجارة العالمية، فلا نستطيع أن نتخيل «العالم بدون وجود ضوابط للتجارة، فهذا قد يعنى أن اللعبة ستنتهى».