بينما تعالت صيحات المتظاهرين المجتمعين أمام مركز المؤتمرات فى جنيف «عالمنا ليس للبيع»، وفى الذكرى العاشرة لمظاهرات سياتل، التى ألغت المؤتمر الوزارى لمنظمة التجارة العالمية وقتها، بدأت المنظمة أمس الأول مؤتمرها الوزارى السابع الذى يتوقع الجميع أن يكون مجرد اجتماع لتبادل وجهات النظر، دون الوصول لأى نتائج فى الملفات الجدلية، التى تحول دون إنهاء مفاوضات الدوحة. الاجتماعات الحالية، كما أشار منظموها والمشاركون فيها، وأظهرتها الأجندة الخاصة بها، ليست للتفاوض ولكن محاولة لتقريب وجهات النظر بين الأعضاء. وبينما أكدت الكلمات، التى ألقاها مسئولو الملفات التجارية لعدة دول فى الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، على أهمية الانتهاء من مفاوضات الدوحة، بل والإشارة إلى إمكانية الانتهاء منها قبل عام 2010، وهو الموعد الذى تم الاتفاق عليه لإنهاء الجولة التى بدأت فى 2001، فقد كان واضحا من فحوى التصريحات أن الأمر لا يتعدى النوايا، وأن الأطراف المختلفة متمسكة بمواقفها. باسكال لامى، المدير العام لمنظمة التجارة العالمية، حض الدول الأعضاء على تحويل أقوالهم إلى أفعال، إذا أرادوا إنهاء جولة مفاوضات الدوحة فى عام 2010 كما وعدوا. وأشار مدير المنظمة إلى أنه تم الاتفاق على نحو 80% من القضايا التى تشتملها جولة الدوحة حتى الآن، «أما ال20% المتبقية فستظل رهنا بالإرادة السياسية لأعضاء المنظمة»، على حد تعبير لامى. يذكر أن مفاوضات جولة الدوحة للتنمية، التى تهدف إلى تحرير التجارة بين الدول الأعضاء، مجمدة منذ عدة أشهر، بسبب الخلاف حول الملف الزراعى، حيث انتقدت الدول النامية سياسات الدول المتقدمة، فيما يتعلق بتقديم دعم كبير لمصدريها، مما يعطيهم ميزة تنافسية فى الأسواق على حساب منتجات الدول النامية. ولم ينجح الاجتماع غير الرسمى الذى عقد فى 2008 فى جنيف فى إنقاذ الجولة. وقد جاءت الأزمة المالية لتضيف بعدا جديدا للمشكلات، حيث تسببت فى اتخاذ الدول المتقدمة للعديد من الإجراءات الحمائية، لحماية أسواقها فى نفس الوقت الذى تنكر فيه على الدول النامية هذا الحق. رون كيرك، المفوض التجارى الأمريكى، الذى كان من أكثر الشخصيات التى تابع أعضاء المؤتمر كلمته فى الجلسة الافتتاحية، رغبة فى كشف حالة الغموض التى تكتنف موقف بلاده من جولة المفاوضات، أشار إلى أن «الانتهاء من مفاوضات الدوحة بحلول 2010 شىء يمكن تحقيقه». غير أنه رمى بالكرة فى ملعب الدول النامية، مشيرا إلى الدور المتنامى الذى تلعبه تلك الدول فى رسم الاقتصاد العالمى، مع التوقعات بأن تساهم عدد من الدول النامية مجتمعة، مثل الهند والصين والبرازيل، بنسبة 58 % من النمو العالمى خلال التسع سنوات القادمة، مما سيترتب عليه زيادة دورها فى المفاوضات. وتأتى الاجتماعات الوزارية للمنظمة بعد جولة آسيوية للرئيس الأمريكى، باراك أوباما، وعدة مفاوضات مع عدد من دولها، فى محاولة للتوصل إلى اتفاقيات ثنائية تحقق للولايات المتحدة مزايا، يمكن استخدامها لإقناع الكونجرس وجماعات الضغط، بالموافقة على المضى قدما فى مفاوضات الدوحة. وكان كيرك قد أشار، فى حديث لوكالة أنباء رويترز أمس، إلى أن ليس كل الدول النامية التى ترى بلاده فيها شركاء تجاريين، استجابت للدعاوى الأمريكية لتدعيم مفاوضات الدوحة، غير أنه لم يشر إلى دول بعينها. وتواجه الإدارة الأمريكية ضغوطا شعبية عديدة، لعدم قبولها أى تنازلات فى إطار تحرير التجارة، مما قد يضر بأوضاع العمالة فيها، فى ضوء تجاوز معدل البطالة لحاجز ال10% للمرة الأولى منذ سنوات. هذا وقد طالبت مجموعة من كبار المسئولين الديمقراطيين الإدارة الأمريكية بالانسحاب من مفاوضات الدوحة، والرجوع عن جميع التزاماتها تجاه المنظمة والدول الأعضاء، والبدء فى اعتماد أجندة وطنية جديدة تهتم بحقوق العمال والتغيرات المناخية. وعلى جانب الدول النامية، أشار وزير التجارة الصينى، شين ديمينج، إلى تمسك بلاده بما تم تحقيقه حتى الآن فى مفاوضات الدوحة، ورغبتها فى المضى قدما فى المفاوضات، مشترطا أن يتم التفاوض على أساس النصوص المعدلة التى تم التوصل إليها خلال فى ديسمبر 2008. وتلك النصوص هى مجموعة من الإجراءات الحمائية التى فرضتها كل من الهند والصين، المتعلقة بالقضايا الزراعية، وبنفاذ السلع غير الزراعية للأسواق الخارجية، وكانت تلك النصوص قد تسببت فى فشل الاجتماع الوزارى المصغر الذى انعقد فى جنيف فى ديسمبر 2008. وقال وزير التجارة والصناعة المصرى، رشيد محمد رشيد، ل«الشروق» إن المفاوضين مازال أمامهم وقت طويل للتفاهم على خلافاتهم، حيث إن الهدف الأساسى هو الانتهاء من المفاوضات قبل نهاية 2010.