لا يوجد مجتمع بلا مشكلات والفارق بين المجتمعات الحية والمجتمعات المأزومة هو حجم ونوعية هذه المشكلات وكيفية التعامل معها وفي كل الأحوال فإن أحد الفوارق المهمة يتمثل في مدي "مشاركة" الناس في التصدي لهذه المشكلات، ومدي سهولة أو وعورة الطريق إلي هذه المشاركة المجتمعية. والثابت أن مسألة "المشاركة" تمثل لدينا مشكلة تضاف إلي المشكلات التي ينبغي أن تكون هذه المشاركة مدخلا لها. والدليل علي ذلك أن نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية، ثم الانتخابات البرلمانية الأخيرة، لم تتجاوز -في أحسن التقديرات- نسبة ال23% من المقيدين في الجداول الانتخابية وهذا يعني أن 77% -علي الأقل- من أصحاب هذا الحق الانتخابي تنازلوا عن ممارسته وفضلوا تقديم استقالتهم الجماعية من الاهتمام بالشأن العام، الذي هو -في التحليل النهائي- المحدد والمقرر للخطوط العريضة لشئونهم الخاصة وأحوالهم المعيشية. وغني عن البيان أن هذا العزوف الجماعي عن المشاركة بصورها المختلفة أوجد فراغا هائلا في المجتمع ولأن الطبيعة تكره الفراغ فقد كان طبيعيا أن يتم ملاؤه بشكل أو بآخر. ولأن السياسة ثم "تأميمها" منذ 23 يوليو ،1952 ثم تم تكبيلها بعد الانتقال من نظام "الحزب الواحد" إلي "التعددية المقيدة" خاصة مع استطالة حالة الطوارئ قرابة ثلاثة عقود متصلة، فإن ذلك ترك الساحة خالية أمام "المال" و"الدين" وبزواج المال من السياسة ترعرع الفساد، كما كان التعصب والتطرف والتزمت ثمرة زواج الدين والسياسة وتديين السياسة وتسييس الدين. وكانت نتيجة ذلك هذا المناخ الخانق -سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا- الذي استدعي طرح ضرورة "الإصلاح". ومع دخول كلمة "الإصلاح" إلي قاموسنا اليومي كان طبيعيا أن يتم استدعاء كلمة "المشاركة" أيضا، لأن الأول مستحيل دون الثانية. وبطبيعة الحال فإن هناك أنواعا ودرجات متنوعة من المشاركة، وهي كلها لا تهبط من السماء، كما أنها لا تتحقق مرة واحدة أو في غمضة عين، بل هي بدورها عملية تفاعلية ولذلك فإنه لا يجدر الاستهانة بأي شكل، وبأي درجة، من درجات هذه المشاركة المنشودة، بل يجب تشجيعها، ومحاولة إيجاد تواصل بين هذه المبادرات المتناثرة عسي أن تصب كل هذه الروافد الفرعية في مجري تيار قوي واحد. من هذه المبادرات برنامج يحمل اسما تحريضيا مباشرا هو برنامج "شارك" الذي تتبناه جمعية شباب المصدرين وهي جمعية من جمعيات المجتمع المدني لكن هذه الجمعية الصغيرة لها ميزتان كبيرتان: الأولي أن رئيسة هذه الجمعية نيرمين نور فتاة متحمسة تتمسك -ولا تزال- في هذا المناخ الخانق بأفكار مثالية وتتحلي ب"براءة" سياسية مذهلة وتنفق علي هذا العمل التطوعي ولا تتربح منه كما هو شائع أما الميزة الثانية فهي أن هذه الجمعية الصغيرة لا تتلقي دعما أجنبيا بل تصر علي أن تكون أجندتها مصرية خالصة. لذلك.. رحبت بدعوة من هذه الجمعية للمشاركة في ندوة مخصصة للدكتور علي الدين هلال أمين الإعلام بالحزب الوطني الديمقراطي وحوار شباب الجمعية معه. وكان لترحيبي سببان، أولهما متعلق بالجمعية كما أشرت، وثانيهما متعلق بالدكتور علي الدين هلال باعتباره أحد أهم العقول في مصر المحروسة وأحد أهم أساتذة العلوم السياسية في العالم ولا أغالي إذا قلت أنه ظلم نفسه بدخول لعبة السياسة المصرية من بوابة الحزب الوطني لأن ذلك جاء علي حساب اسهاماته المهمة في ساحته الأصلية: ساحة الفكر والبحث الاكاديمي. وبالفعل كانت الصفة العلمية والاكاديمية هي الغلابة وكان علي الدين هلال العالم والمفكر هو الأكثر حضورا من علي الدين هلال القيادي في الحزب الوطني وبدلا من أن يلقي محاضرة علي شباب الحاضرين يقول لهم فيها إن كل الأمور تمام وأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان، فاجأ الشباب بسؤال لم يتوقعونه: لماذا تريدون "المشاركة"؟! وبالطبع تنوعت الإجابات وعندما جاءت من بين هذه الإجابات إجابة تقول إن المشاركة هي إحدي وسائل نبذ التخلف واللحاق بركب التقدم، التقط علي الدين هلال الخيط وعاد ليسأل الشباب: لماذا تخلفنا؟ وتعددت الاجابات أيضا. ومن هذه الإجابات بدأ "الأستاذ" إعادة ترتيب للأفكار المتناثرة من خلال منهج علمي بسيط. * فالإنسان -وبعيدا عن الشعارات الرنانة- "يشارك" عندما يدرك أن له مصلحة في المشاركة. وهذه المصلحة قد تكون مادية وقد تكون معنوية. * والشعوب تتقدم عندما تتعانق المصلحة العامة علي المصلحة الخاصة، وعندما يدرك المواطن أن حل مشاكله الشخصية مرتبط بحل مشكلة الوطن. * ثم إن الإنسان يحقق إنسانيته من خلال المشاركة حيث مسيرة الإنسانية هي مسيرة التضامن وإنشاء الجماعة.