وكأن قطاع غزة المكلوم والذي تداعت فيه مجمل مناحي الحياة، ينقصه فقط هذا الزلازال الخاطف والذي تمثل في مجموعة التفجيرات الغامضة التي استهدفت عدداً من المنتمين لحركة حماس وكالعادة سقط فيها العديد من الضحايا الابرياء الذين لا ذنب لهم ولا جزيرة ارتكبوها، سوي أن حظهم العاثر صادف وجودهم في المكان. وكأن الأمور في غزة استقرت فوق بركان التوتر واللاعودة، والمناكفة السياسية بين طرفي الصراع فتح وحماس وبات من غير المعقول أو المقبول أن تعود الأحوال إلي ما كانت عليه قبل الانقلاب المشئوم الذي فرق الاخوة، ومزق الوحدة وأضاع القضية، واخترق الهدف. لقد شكل الانفجار الذي استهدف سيارة علي شاطيء غزة قبل أيام وأسفر عن مقتل طفلة وخمسة ناشطين في الجناح العسكري لحركة حماس واصابة 22 آخرين ضربة قاسية لامكانية استعادة الوحدة واستئناف الحوار المقطوع وألقي بظلاله القاتمة من القلق والتوتر واستحضر شبح الاقتتال الداخلي بين حركتي فتح وحماس اللاتين تبادلتا الاتهامات والتهديدات فمن جهة توعدت حماس من وصفتهم ب"التيار الانقلابي" في فتح بالقصاص، ولوحت بأنها ستضرب بيد من حديد كل من يعبث بالأمن والاستقرار وشنت حملة اعتقالات طاولت 160 فتحاوياً ودهمت مكاتب ومؤسسات تابعة للحركة في القطاع. في المقابل نفت فتح أي تورط لها في الانفجار الذي عزت إلي صراعات داخلية في حماس في حين هددت "كتائب الأقصي" برد ضد الضار حماس في الضفة علي اعتبار أنهم جزء من الانقلاب والتمرد. بلاشك فإن حركة حماس تنظر بعين الخطورة للانفجار، فهو يأتي في سياق سلسلة من التفجيرات التي لم تستهدف بعض قادتها فحسب بل استهدفت أيضا الأمن الذي توهمت أنها نجحت في فرضه في القطاع واعتبرته انجازا يحسب لها ويغطي علي الانعكاسات السلبية للحصار المفروض، خاصة وأن انفجار الشاطيء هو الثالث في أقل من 24 ساعة إذ سبقه انفجار قنبلة قرب منزل القيادي في حماس النائب مروان أبو راس وآخر في مقهي قتل خلاله شخص، كما أعقبه بساعات حرق سيارة لأحد كوادر كتائب القسام في رفح جنوب القطاع. لقد أسهمت الانفجارات المتلاحقة في رفع وتيرة الاحتقان الداخلي، وابعدت الطرفين عن امكان بدء أي حوار من أي نوع وتأتي هذه الانفجارات كمن يتعمد وضع العصا في الدواليب خصوصاً في ظل الحديث عن قرب العودة للحوار. كما أن رد الفعل الذي أعقب الانفجارات خاصة في وسائل الاعلام التابعة للطرفين أسهم في نقل التصعيد ما بين الحركتين إلي المجتمع الفلسطيني نفسه واعطت فرصة لأطراف ثالثة للدفع باتجاه تصعيد آخر. أن توقيت الانفجارات يشير إلي رغبة القائمين عليه بنسف أي امكانية للحوار ما بين الطرفين خصوصا في ظل الحديث عن عدم احراز أي تقدم في المفاوضات السياسية، ويبدو أن الهدف من هذا التدخل العنيف، وفي هذا التوقيت بالذات هو نسف أي امكانية لعودة الحوار بين الطرفين وكما هو معروف فإنه بعد شهرين أو ثلاثة وهو موعد الانتخابات الأمريكية ستتوقف المفاوضات بين الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني ولن يكون أمام الفلسطينيين سوي التوجه إلي الحوار الداخلي لذا فقد كانت التفجيرات بمثابة بطاقة حمراء للحوار كي تعود دوامة الانتقام وردود الافعال ما بين الطرفين والتي تشبه إلي حد بعيد الطريقة الاسرائيلية فالردود المتبادلة تأتي علي الطريقة الاسرائيلية وبشكل عشوائي قريبة من العقوبات الجماعية وتسهم في تعميم المسئولية وابعاد التركيز عن الجهة الحقيقية التي تقف وراء هذه الانفجارات والتي تهدف بالدرجة الأولي إلي تكريس الانفصال وترسيخه وتضليل الشارع الفلسطيني باتهام حركة فتح بأنها قف وراء الهجوم ومن ناحية أخري لا يساعد الجهود العربية التي تعمل من أجل انهاء حالة الانقسام ووضع حد لمعاناة المواطنين. إن الخشية الآن تكمن في أن تتصاعد وتيرة الفعل ورد الفعل بين فتح وحماس وبشكل متبادل في الضفة والقطاع ففي الوقت الذي تصعد فيه حركة حماس من هجمتها ضد عناصر فتح في غزة تقوم فتح برد الصاع صاعين لتلقين حركة حماس درسا قاسيا في الضفة لما يقوم به أعضاؤها في غزة من تنكيل وقمع ضد عناصر فتح وهكذا يدور الوضع في حلقة مفرغة لا طائل منها سوي المزيد من نزيف الدم الفلسطيني، واضاعة الفرص لأي مصالحة محتملة وتشتيت الجهود العربية المساهمة في هذا الأمر لوضع حد لهذا التفسخ الذي ألم بالمجتمع الفلسطيني كافة وابعده عن قضية الأم المحورية وهو صراعه مع الاحتلال وكيفية ايجاد الحلول لنيل الحقوق الفلسطينية المسلوبة. ولا نستطيع أن نغفل دور إسرائيل المركزي في اللعب علي الخلافات الداخلية وتسلسلها من فتحة العجز الفلسطيني غير القادر عن القيام بإدارة صحيحة للخلاف الداخلي فمنذ سنوات طويلة وبالذات منذ قيام السلطة الفلسطينية عام 1994 والفصائل قائمة ومختلفة حول مجمل السياسات الوطنية لكن المشكلة كانت وستبقي في التعدد الأمني لذا فإن أي حوار في ظل وجود سطوة القوة مسلطة علي رقاب المتحاورين هو ابتزاز سياسي لن يحقق العافية للنظام السياسي الذي يمكن أن يتشكل كنتيجة لحوار المتسلحين بقوة السلاح، وليس بقوة المنطق السياسي أو بقوة المصلحة الوطنية؟!