خسرت الثقافة العربية فارسا من فرسانها الكبار الذين صالوا وجالوا في اعماق تاريخها حبا وبحثا ومصداقية.. رحل د. عبدالوهاب المسيري الراهب الكبير في آفاق المعرفة والعلم والموضوعية.. لم يكن باحثا تقليديا ولا أستاذا عاديا بل كان مدرسة تنوعت فيها الأساليب واختلفت فيها المناهج.. اختار من البداية ان يكون موسوعة علمية كاملة في عقل رجل وان يظل طوال حياته باحثا مدققا بعيدا عن الأهواء والمصالح.. كانت رحلته الطويلة المثمرة مع الصهيونية تاريخا وبشرا ودولة وكيانا.. وفي هذه الرحلة استطاع ان يصل إلي ابعد نقطة في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي ويقدم لنا موسوعة تاريخية تكشف الماضي وتضيء الحاضر وتفتح كل محطات المستقبل.. قضي د. المسيري اجمل سنوات عمره في هذه الرحلة الخصبة واستطاع ان يكون مرجعا للباحثين في كل لغات العالم وليست العربية فقط.. كانت هذه هي أخطر واعظم ثمار رحلة المسيري العلمية.. وبجانب هذا كان ناقدا منصفا أمينا واستطاع ان يقدم قراءة للتراث جمعت بين الآصالة والمعاصرة.. وبجانب هذا كان قارئا للشعر وكتبه في احيان كثيرة وفي كتاب سيرته الذاتية قدم تاريخ وطن في حياة انسان واستطاع ان يضع يده علي الكثير من أزمات ومحن هذا الوطن.. ورغم المرض الذي حاصره سنوات ورغم الأعباء التي فرضها عليه صحيا وماديا إلا انه استطاع ان يتجاوز ذلك كله بل ان ملحمة السنوات الأخيرة في حياته كانت نموذجا للمفكر الكبير الذي اختار ان ينهي حياته وسط الجماهير وكانت حركة "كفاية" هي آخر رحلاته في المعارضة.. وفي أحدي المظاهرات حملت قوات الأمن المفكر الكبير صاحب اعظم موسوعة عن الصراع العربي الاسرائيلي والقت به مع زوجته في صحراء مدينة نصر ولم تشفع سنوات عمره التي تجاوزت السبعين وكانت هذه اخر صفحة من صفحات نضال هذا الرجل العظيم.. كنت دائما أري د. المسيري وأري معه جمال حمدان كل واحد منهما اختار طريقا وان اجتمعا في نهاية الطريق من حيث القيمة والموقف وهذا الحب الكبير الذي جمع بينهما دائما.. حب مصر الخالدة.