لأنه كان قادرا على تحريك العقول والضمائر، لأنه أعطى عطاء العالم الزاهد، ولأنه وعى وعاش قضايا أمته وفى القلب منها قضية الصراع مع العدو المباشر (الكيان الصهيونى)، ولأنه سخر علمه فى خدمة قناعاته ومعتقداته.. ولأنه تحلى بروح العالم المعلم فرعى العديد من الشباب وتبناهم .. لهذا ولغيره من صفات الراحل الكبير، سيظل المسيرى قادرا على تحريك الراكد مشاركا فى كل المواقف .. سيظل باقيا بما قدمه من نفع .. فأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض.ص. أسرة تحرير الشعب تحتسبك عند الله وتسأل الله لك الرحمة والمغفرة ولن تنساك صفحاتنا كما لن ينساك ضمير هذه الأمة العظيمة.. فهنيئا لك ما قدمت فى دنياك تقبله الله منك وحباك برحمة منه ورضوانا إنه رب ذلك والقادر عليه. أسرة تحرير الشعب المسيري شاهد على انتصار الإيمان د. كمال حبيب
شعرت بالحزن والألم حين قرأت رسالة على هاتفي الجوال تقول: "المسيري في ذمه الله، صلاة الجنازة في مسجد رابعة العدوية بعد الظهر"، وجاءتني رسائل أخرى عديدة على بريدي الإليكتروني تقول: "الصلاة والدفن علي المسيري في مسجد التوبة بدمنهور بعد العصر"، ورسائل عديدة تقول، وكأنها تشعر باليتم: "المسيري مات"، نسأل الله له الرحمة والمغفرة.
موت المسيري أحياه داخلي؛ فذهبت أتجول في كتبه التي لدي وكان أهمها: "رحلتي الفكرية، في البذور والجذور والثمر، سيرة غير ذاتية، غير موضوعية"، وكان ذلك الكتاب أعطاه لي حين طلبته منه في آخر مرة زرته فيها بمنزله الجميل الذي يحمل بصمته الفكرية والفنية.
الحزن على فراق المسيري جعلني يومًا كاملاً لا أرد على تليفونات ولا أخرج من المنزل، ظللت عاكفًا على المسيري، وكأني أشاهد عملية غسله ودفنه، وأشارك في جنازته والصلاة عليه، والتي لم يقدر لي المشاركة فيها، كان المسيري ينتصر على مرض السرطان الكاسر بالعمل والمشروعات الدائمة التي لا تتوقف، لدرجة أنك كنت تشعر بهزال جسده من المرض ولكن حيوية الفكر والمعنى والشباب كانت حاضرة بقوة في نظرته، في رأسه المرفوعة، في روحه التي لم تنهزم أبدًا.
وكان كتاب "من ضيق المادية إلى رحابة الإيمان" هو الذي جعله يطلب مني المشاركة فيه بدراسة عن المفكر التركي "أحمد داوود أوغلو، وجدل التوحيد والإنسان في فكره"، وظل يتابعني حتى انتهيت من الدراسة وسلمتها له.
وفي النهاية لا بد من الموت، كما قال المسيري نفسه الذي لم يفارقه الإيمان بالله لحظة من اللحظات، فقد قال لي حين سألته عن مصادر التحوّل نحو الإسلام في نفسه: "كان لدي أرضية إيمانية أقف عليها دون أن أدري"، ومن ثم فالفكرة الإسلامية ظلت حية داخل نفس المسيري، ولكنها مطمورة تخفيها مظاهر "فاوستيه" ذات طابع نرجسي متمرد، حتى أعلن العودة إلى ربه مدركًا معنى قول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الْإنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق: 6]. حسم المسيري خياره مع ربه ودينه بشكل تام أوائل الثمانينيات، حين أدرك أن الإسلام هو هويته وخلاصه من "ضيق المادية إلي رحابة الإيمان"، لم يستطع النموذج المادي الغربي أن يقدم للمسيري إجابة عن أسئلته أو الأخذ بيده إلى بر الأمان بعيدًا عن القلق والتوتر وفقدان المعنى، فهو نموذج أحادي يقزم الإنسان ويهمشه ولا يمكنه أن يقدم أجوبة للأسئلة الكبرى، وكما يقول هو نفسه: "عجز النموذج المادي عن تفسير سلوك الإنسان وعواطفه، ودوافعه هي التي عرجت بي إلى الإيمان بالله". فهو وصل إلى الإيمان بالله من خلال الإنسان الذي يقول القرآن الكريم عنه: { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ } [الحجر: 28، 29].
وأدرك المسيري أن الإيمان شيء عميق في الإنسان، ولا يمكنه أن يعيش بدونه، ويقول عن ذلك: "خلاصة الأمر أنني اكتشفت الدين كنموذج معرفي متكامل، وليس مجرد جزء له أهميته في حد ذاته، وأدركت أن المكوّن الديني ليس مجرد قشرة وإنما هو من جذور الكيان والهوية، كما بدأت أشعر أن الدين ذو فعالية في الواقع المادي الذي نحياه وليس جزءًا مغلقًا من عالم الغيب.. أي أن الدين أصبح تدريجيًا في تصوري جزءًا من الكيان الإنساني، وليس منفصلاً عنه".
وتحوّل الإسلام في وعي المسيري إلى الإطار المرجعي الرئيس لرؤية الكون والعالم والأشياء كلها من حوله، وهذا الإطار المرجعي هو الذي منحه القدرة على بناء نماذج تفسيرية مختلفة عن النماذج السائدة في علوم الاجتماع الغربية، فعمله الموسوعي "اليهود واليهودية والصهيونية.. نموذج تفسيري جديد استقاه من الإسلام وفي ذلك يقول: "لم يعد الإسلام مجرد عقيدة إيمانية، وإنما منظور شامل للكون والحياة يمثل مرجعية يمكن للإنسان أن يوّلد منها نماذج تحليلية ذات مقدرة تفسيريه عالية، كما أدركتُ أن الإسلام يعطي إجابات شافية عن الأسئلة النهائية ". لذا كتبت عن المسيري من قبل، وقلت: "المسيري الشاهد"؛ فهو شاهد على "سقوط النموذج المادي الغربي"، وهو شاهد على "سقوط النموذج العلماني"، فهو من بذل جهدًا كبيرًا للحديث عن العلمانية الشاملة، "والعلمانية الجزئية"، واعتبر أن العلمانية الشاملة هي تعبير دهري عدمي يفصل القيمة والمعنى عن الحياة، كما أن العلمانية الجزئية وإن كانت أقل خطرًا، لكن تبقى المرجعية الإسلامية هي الحاكمة لحياة المسلم { وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ } [الشورى: 10]، إيمان المسيري بوجود إله أعلى من الإنسان، وأنه بائن عنه وأنه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [ الشورى: 11] جعله يؤمن أن المرجعية الإسلامية هي الحاكمة { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ } [النساء: 59]. أعتقد أن المسيري سيبقى تأثيره الفكري حيًا في الأجيال المسلمة القادمة، وخاصة في نطرته للكيان الصهيوني وضرورة نهايته بمنطق الجغرافيا والتاريخ، ونظرته للعلمانية، وأنها نموذج ضد الإنسان، وتقديمه للتوحيد والإنسان في صورة فلسفية ترفض الحلولية والعدمية، وتمزج بقوة بين الألوهية والعبودية، ثم محاولته بناء خطاب إسلامي معاصر يتعامل مع قضايا الواقع والحياة والغرب والعالم، لم يكن المسيري مجرد متفلسف أو مثقف منفصل عن الواقع، ولكنه كان يؤمن بالوظيفة الكفاحية للمفكر، ومن هنا كان قيادته لحركة "كفاية"، والأخذ بيدها نحو التحوّل الحقيقي للتفاعل مع الناس والفقراء عبر اعتدال بوصلة توجهها للتصالح مع الإسلام، ومن هنا كان نزوله للشارع وهو رجل مريض مسن وتحمله للاعتقال، ومن ورائه كانت زوجته وأسرته، كما كان انضمامه لمشروع حزب الوسط كتعبير عن الفعل الإسلامي.
كان المسيري شاهدًا على انتصار الإيمان والفطرة، فلم تكن له حسابات مع أنظمة سياسية أو قوى اجتماعية، ولكن حساباته كانت لصالح ما يؤمن به (الإيمان والإنسان).
الموتى الأحياء والأحياء الموتى خيري منصور
عندما اجتاح الجيش الصهيوني لبنان عام 1982 كان من أهدافه إحراق مركز الأبحاث الفلسطينية بمخطوطاته ووثائقه، لأن هذا المركز كان مقاومة أخرى بدلالاته الفكرية، وإصرار القائمين عليه على كشف الحقائق كما هي، وبعيداً عن شهود الزور وما لوي من أعناق الأحداث كي تلبي المزاعم.
ولم تكن مجرد مصادفة أن تستهدف رسالة ملغومة أصابع د. أنيس صائغ، الباحث والمفكر الفلسطيني الذي ناضل طويلاً لكي تبقى القضية الفلسطينية دافئة في دثارها القومي.
ومنذ ذلك الاجتياح واصل المفكر العربي د. عبدالوهاب المسيري مسيرته الخاصة وعزفه المنفرد، غير عابئ بكل الضجيج وقرع الطبول الذي حاول أصحابه ومتعهدوه التبشير بنهاية الصراع لمصلحة الطرف الآخر، المعتدي والمحتل، والذي أراد للسلام أن يكون أعرج يضاف إلى انتصاراته العسكرية بعد أن يحولها من احتلالات إلى استحقاقات.
الخطوة الأولى بالنسبة للراحل د. المسيري كانت مقاربته الشهيرة بين الدولة العبرية والولايات المتحدة على صعيد الاستيطان وحذف السكان الأصليين، وكان مصطلح الفردوس الأرضي الذي استخدمه تعبيراً عن المشترك الوهمي بين نيويورك وتل أبيب، حيث يتم تصوير المكانين على أنهما الجنة المتجسدة في هذا الكوكب.
ولم تعوزه الوثيقة أو الحجة فقدم منهما الكثير عبر معالجات لم تنقطع لعدة عقود، فقد حاول باقتدار أكاديمي وإحساس وطني عميق أن يفند الاطروحات الصهيونية تاريخياً وجغرافياً وثقافياً، وعمل بمفرده كما لو أنه مؤسسة كبرى اختزلت في رجل واحد.
فقد عكف وقتاً طويلاً على إعداد الموسوعة الشاملة التي لا غنى لأي عربي عنها، وفي أعوامه الأخيرة كان يقاوم التحالف الشيطاني بين عدو تاريخي وبين مرض عضال يقضم الجسد، لكنه مات منتصراً على الاثنين انتصر على عدوه، بأن افتضح المسكوت عنه عالمياً في خرافاته المدججة بالسلاح النووي، وانتصر على مرضه عندما حوله إلى عافية روحية ووطنية.
لقد كان الراحل د. المسيري موسوعي الثقافة مكرساً العمر كله لتلبية نداء ضميري فلم يصمت عندما صمت الثرثارون، ولم يرفع راية بيضاء عندما غطت الآفاق رايات بلون الأكفان.
كان مثالاً للدأب المعرفي وصلابة الموقف باعتدال حضاري لهذا يخطئ من يتسرعون بتصنيفه أصولياً بأي مقياس لأن راديكاليته تجسدت أولاً في موقف وطني لا مجال لمقايضته بأي ثمن.
هي راديكالية المثقف الذي رفض التفريط في زمن تداعت فيه الأشياء وحذفت الشعرة الدقيقة الفاصلة بين التسامح والاستسلام، وبين الانحناءة الكريمة وانحناءة الخنوع.
ما تركه عبدالوهاب المسيري من منجز معرفي قد ينوء بمثله فريق من الباحثين لهذا فإن تراثه جدير باهتمام المؤسسات الثقافية والفكرية في عالمنا العربي، الذي خسر خلال العقد الأخير كوكبة من أهم رواد نهضته الحديثة وعزاؤنا لاحتمال هذا الفقدان، هو إعادة اكتشاف ما أنجزه راحلون تفرغوا للسهر في قبورهم على الأحياء الموتى.
واحد من فرسان هذا الزمان د. احمد مصطفى
وكأن ما يسمع المرء من اخبار الوطن لا يكفي حزنا وهما، فياتيك سطر على البريد الاليكتروني يحمل خبر وفاة المفكر الكبير الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله. واذا كانت الاجال بيد الله، والفقيد العظيم يعاني من المرض الشديد وقد بلغ السبعين من العمر، الا ان اصراره ومثابرته كانت تجعلك دوما تظن انه سيمشي في جنازتك لا ان تنعيه انت. لست مؤهلا للحديث عن انجاز البروفيسور المسيري الفكري والموسوعي، فهناك من هم اقدر مني على ذلك، لكن معرفتي به في فترات محددة تجعلني مكلوما في رمز من رموز جماعة مرجعية للامة المصرية لم يتبق منها الكثير احياء. فقد لحق المسيري بالدكتور رمزي زكي وعادل حسين واسماعيل صبري عبد الله وغيرهم من جيل من المثقفين المحترمين الذين لم تؤثر التغيرات العاتية في قناعاتهم المبدئية، فظلوا نموذجا للالتزام اصبحنا نفتقده في كافة مناحي حياتنا. كان المسيري، وسيظل، قدوة في الاصالة والمبدئية، رغم تعليقات وملاحظات كثيرين من اهل اليسار واليمين على مواقفه الفكرية في مسيرة حياته والتي للاسف كانت في اغلبها لدوافع ذاتية وتتسم بقدر من السطحية وتفتقر للاصالة. ورغم ان الفقيد كان استاذا للادب الانجليزي، ونهل من ثقافة الاخر بقدر غير مسبوق الى حد ما لكنه كان ايضا اصيلا متينا في جذوره الفكرية بما لم يشوه رؤيته ويقيه فتنة التسطيح والتفاهة التي اصبحت سمة لحياتنا الفكرية الى حد ما. لا يمكنني الادعاء باني من تلاميذ البروفيسور الراحل، فانا في النهاية اعلامي (اي موصلاتي) ولست اكاديميا او مفكرا. لكن تعرفي عليه عن قرب في فترة حرب الخليج الاولى، ولقائه فيما بعد في مصر وخارج مصر، واطلاعي على ابداعاته الفكرية والموسوعية كان دائما سندا لامثالي في مواجهة موجات التسطيح العاتية وحملات التزييف والتضليل التي ترتدي مسوحا شتى وتملك وسائل اغراق اعلامي هائلة. رحل الدكتور المسيري بعد ان ادى الامانة التي حملها عن قناعة، وترك تلاميذا ومريدين تعلموا منه منهجه وبعض مبادئه. كما ان اعماله وسيرته (احدث كتبه) ستظل هاديا لمن يريد الاسترشاد برؤى الفرسان، وستبقى دليلا على ان هذه الامة لا تموت طالما تنجب امثال المسيري. لندن
المسيري وصولجان القلم !!
فيما يخص الفكر .. قالوا أن المفكر يعتمد على قاعدة بيانات في المخ يوظفها في سبيل ما يؤمن به من أفكار .. وعادة ما يكون التمايز بين المفكرين والكتاب والأدباء .. ان هناك من يعتمد على بنيته العقليه على حفنه من الكلمات يجترها ..وهنالك من يعتمد على برميل من بارود الأفكار وهناك من يعتمد على قاعدة بيانات ضخمة فيكون ذو قامة موسوعية .. قال الغرب الفكرة التي ليست خطرة ليست بفكرة .. وقالوا أن الأفكار اشد خطرا من براميل الديناميت .... وهنا لا نستثني قيمة المخ فهناك عقول من الألماس وهناك عقول من البلاتين وهناك عقول من الصفيح تعاني الصدأ .... كان توهج الإبداع له دوره في مضمار الفكر وعليه يكون التميز .. ما بين مفكر وآخر .. فهناك من يرى الأمور بعين ثاقبة او يرى ما وراء المفردات وما خلف الكلمات وما بين ثنايا الأسطر .. فتكون الرؤية نافذه وثاقبة التحليل لمعادلات التاريخ .. وهناك من ادرك ان الفكر الغربي سراب بقيعة يحسبها الظمان ماء او (ظاهرا من الحياة وهم عن الآخرة هم غافلون ).. وعليه كان أصحاب الفكر الإسلامي وكثيرا منهم مضغ الفكر الغربي ثم بصقه في نهاتية المطاف فكان ولاؤه للقران المجيد ..و هاهم يقودون الأمة و يضعون قدمها على الطريق .. طريق الله الذي (اتقن كل شيء )..في الفكر الإسلامي كان العلم قبسة من نور الله .. تكوين البنية العقلية يعتمد على كم هائل من القراءات في مقتبل العمر وذاكرة فذه .. واشعاعات من نور القرآن فيسير على هدى من الله ومن هنا قام النبي الثائر إبراهيم عليه السلام في مضمار . التفعيل العقلي . وقدح زناد الفكر .. ومعطيات وبراهين .في مضمار الإيمان والاعتقاد ... (فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) (الأنعام : 77 ) (فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ) (الأنعام : 78 ) ابراهيم سلم الأمر لله ,,في موضوع الهداية الى الله ( لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) ومما لا شك .. فيه ان إبراهيم كان النبي الثائر الذي حمل على عاتقه النهوض بالعقلية من ارتكاسة الصنم .. وحمل على عاتقه مهمة تكسير الصنم ..سواء الحجر أو البشر من خلال المناظرة الفكرية .. (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (البقرة : 258 ) في سياقات البشر فيما دون الأنبياء ..عقل يقوم بنسج الفكر وتأطير الرؤى ووضعها في سياقها السليم .. ويكون بعدها تحريك الواقع من على الورق .. ولا مانع أن يتصدر المسيري الجموع .. عادة ما تكون العقليات الرائعة مصدر للحسد ..سواء من الحكام أو الأعداء .. فلهذا كان المفكرين بمثابة وجيعة ومصدر الم وغيظ لكثير من الناس ولا يتنفس الطغيان الصعداء الا اذا صعد منهم فارس الى السماء ...من هنا رأيت باري روبين في الجوزرالم بوست يقطر حقدا على المسيري ..الفكر دوما في المواجهة . وكتب المسيري موسوعته ...وعلى الجانب الأخر ..كان الفكر أبقى من الملك والصولجان ..لان له صولجانه الخاص .. ذلك لان الطغيان لا يستطيع حيازة تلك الهبة الإلهية التي منحها الله للعلماء والكتاب والمفكرين ولا يستطيعونها . ولا يمكن أن تشترى بالمال ...فهي ملكات من الرب سبحانه وتعالى .. فيستشعرون الدون دون توهج المفكرين ومن ثم يدخل بعدها الاستبداد في معالجات رخيصة كالتجويع من اجل التطويع.. رأيناها في ابو حيان التوحيدي .. وهو الذي كان يذهب ليأكل بقلة الصحراء وقالها الرجل بمرارة انه تعرض لمواقف وضغوط ما لاا يحسن للحر أن يوصفه بقلم .. وانتهى إلى حرق مكتبته . معضلة المفكر والسلطة ليست حكرا على العرب فحسب فالغرب عاني أيضا من تلك المعضلة ذهب نقيب الصحفيين في احد دول الغرب إلى احد الحكام ليعطيه 100دولار كمنحة لكي يدفنوا صحفي .. فقال الحاكم خذوا 100.000 لكي تدفنوا آلاف الصحفيين .إلا أنهم مؤخرا في الغرب يدركون قيمة المفكرين .. وينزلوهم المنزلة التي تليق بهم .. اما في العرب ..ما زال يراوح مكانه بين حد سيف المعز وسطوة الذهب .. لينتهي الوضع بهم في النهاية .. كما قال المصطفى الكريم إن العلماء ورثة الأنبياء. وإن الأنبياء لم يُوَرِّثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما وَرَّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر. .. وكأن المصطفى الكريم يدرك .. ان قضية الدرهم والدينار ليست قضية العلماء الكبرى في الحياة .. او ان لهم قضايا أكبر من ذلك بكثير .. أو أنهم قد يتعرضون لمعالجات الاستبداد .. حتى انهم سيخرجون من الدنيا بلا شيء. من متاع الدنيا .. ولن يتركوا من خلفهم لا دينار أو درهم .. ولكن ماذا كان ميراث النبوة ؟. إنه تغيير العالم إلى الأفضل . النهوض بالبشرية من الانكسار للصتم ورفع جباه البشر من السجود أو الركوع إلا لله .. ويالها من مهمة عظمى .. في الكون .. في العادة ثمة علاقة شائكة بين رجال السياسة ورجال الفكر .. أو المثقف والسلطة وهي علاقة ليست على ما يرام في كل الأحيان .. اللهم إلا فئة المتمرغين على أعتاب السلطان .. والمسبحين بحمد الطغيان .. ومن يدبجون له القصائد مقابل صرة من الدنانير .. بينما المفكر الكبير ..يرى انه نفسه ارفع من ذلك بكثير .. ويدرك مدى قيمة الزاد والثروة التي حباها له الله تعالى فلا يكفر النعمة بالتمرغ يوما على الأعتاب . المثقف والسلطة مشروع عذاب وتعذيب ورمي عن قوس واحدة واذابة في حمض الكبريتيك .. او يتركه يعاني حتى يأكله المرض .. ويتشفى برؤيته ..وهو يتألم .. ولا شك أن السلطة وذهب المعز وسيفه لا يرحمان من يخرج عن طاعة الطغيان . وقال جبران انا كلمة لم ُتقلّ بعد .. ملخص المعضلة أن المفكر لا ينزل من علياء الفكر إلى الدون ... والطغيان لا يستطيع الارتقاء من الدون إلى علياء الفكر .. ومن هنا كانت معالجات المكارثية وتلفيق التهم والحبس والتشريد والانقضاض عليه في مظاهرة ويلقيه في طريق الإسماعيلية الصحراوي .. ولقد قالها احد رجال الأمن الذين قاموا على إعدام سيد قطب .. وما زال يطل علينا من شاشات التلفزة ... ان سيد قطب كان يرى نفسه كبيرا ..لأنه (رجل الأمن) الذي لم ولن يستوعب المعادلة التي نحن بصددها (الفكر الممهور بالمعاناة باق) ( والطغيان الممهور بدم المفكرين الى زوال) وان ذكر فباللعنات .. قالها علي ابن ابي طالب لكميل ..العلماء باقون ما بقي الدهر .. المفكر ليس له حاجة في ان يبحث عن مجد من خلال نصب تذكاري ..ليخلده .. ولكن بقاء الفكر ..دلالة على الخلود .. وبقاء..اسطر المفكرين ..دلالة على البقاء وان الفكر الاصيل لا يلبس الكفن ولا يصاب برائحة النفتالين ..ومجد الكلمة ..الذي لا يوازيه مجد أو خلود .. انه بقاء لقيمة العقل المتوهج .. والفكرة الرائعة . وبرميل البارود القابل للانفجار ..ا قال احدهم لو أنني اعلم أني كتبي لن تعيش بعدى لآلاف السنين لما كتبتها ..و كان هناك سرا لبقاء الفكر الإسلامي ..بالتحديد .. دون بقية أنواع الفكر .. وهو ان الفكر الذي تعرض لإشعاعات كلام الله (القران الكريم ) ..باق لا محالة .. إلى قيام الساعة ..فيأخذ سمة المجد والخلود .. إننا اليوم نؤبن فارسا .. ومفكرا له صولجان وفكر له شعب وجمهور ..قال جبران القلم صولجان ولكن ما اقل الملوك بين الكتاب . ولكن المسيري اليوم أجهض الشطر الاخير من مقولة جبران .. اذ كان هناك بالفعل ملوكا بين الكتاب . ولهم صولجان ..كان منهم عبد الوهاب المسري .. تقبله الله في الصالحين .