نام العالم العربي مساء الثلاثاء علي كابوس إخفاق مؤتمر الدوحة، واستيقط فجر الأربعاء علي إعلان الاتفاق. الأخبار التي بدأت تتوارد صباح الأربعاء لا شك أفرحت القلوب، وأشاعت الأمل، ليس بالنسبة للبنانيين الذين يعانون التمزق والاختلاف، بل بالنسبة لكل عشاق لبنان في العالم العربي والإسلامي. الإنجاز يحسب للدبلوماسية القطرية التي نجحت فيما أخفق فيه الكبار، بل إن ابتعاد الكبار المتشددين والمعتدلين ، كان أفضل خدمة أسداها الطرفان لتمهيد الطريق أمام الاتفاق، كما أنه انجاز يحسب للجامعة العربية، التي تدهور موقعها حتي أصبح يضرب بها المثل علي المنظمات الإقليمية العقيمة. ومن شأن الاتفاق أن يعيد جزءا من الأهمية والاعتبار لهذه المنظمة التي نعاها الكثيرون من الكتاب العرب حتي أصبحت كحائط المبكي. تشكيلة اللجنة الوزارية العربية اعتبرها البعض خطوة تدل علي عدم الجدية، فالكبار رموها علي الصغار، لكن الأحداث أثبتت عكس ذلك فقد تضمنت التشكيلة أربع دول خليجية "البحرين، والإمارات، وقطر، وعمان"، ودولتين مغربيتين "الجزائر، والمغرب" ودولتان من دول الأطراف "اليمن وجيبوتي"، إضافة إلي الأردن ممثلة لمحور الاعتدال ويمكن بسهولة تخيل الفشل لو دخل الكبار. رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري الذي أعلن "التوصل إلي اتفاق بالتراضي والتفاهم بين الاشقاء اللبنانيين" أشاد بحكمتهم وحرصهم علي إنقاذ لبنان والخروج من الأزمة السياسية وتداعياتها الخطيرة علي العيش المشترك والسلم الأهلي. تفاصيل الاتفاق تهم اللبنانيين وحدهم في الداخل، لأنها ستخرج البلد من حالة الاحتقان، أما الاتفاق نفسه فهو يهم بقية العرب، وخصوصا لجهة إنهائه مرحلة صعبة أراد البعض استغلالها للتهييج الطائفي، وتحويل الخلاف السياسي بين اللبنانيين إلي صراع مذهبي بين السنة والشيعة، والكل يعرف كلفة هذا الخيار علي بقية الأقطار العربية وخصوصا أن أكثرها يعاني من انقسامات طائفية ومذهبية وعرقية، لم تفلح الدول العربية الكبيرة منها والصغيرة في حل إشكاليتها ومعالجتها. أول ردود الفعل جاءت بعد ساعة من إعلان الاتفاق، إذ تلقي أمير قطر اتصالا من الرئيس السوري الذي لم يكن مصادفة إعلان وزير خارجيته وليد المعلم إجراء مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل بوساطة تركية، وقد لا يمر وقت طويل حتي تصبح مباشرة، فالمعلم يقول إن "إسرائيل" أبدت موافقتها علي الانسحاب من الجولان، والمواطن العربي وخصوصا اللبناني والفلسطيني لابد سيسأل عن الثمن. السعودية أعلنت عن سرورها بالتوصل إلي اتفاق، ومصر أعلنت عن شعورها بالارتياح خصوصا لما تضمنه من تعهد جميع الأطراف اللبنانية "بعدم اللجوء مجددا إلي السلاح لحسم النزاعات السياسية"، أما إيران فأعلنت عن أملها بأن يكون مدخلا لحل الأزمة السياسية في لبنان وسوريا وتحقيق مستقبل مشرق للأمة اللبنانية. كمحبين للبنان، يتمني كل منا أن يخرج اللبنانيون من مأزقهم السياسي وأن يتوصلوا إلي تشكيل حكومة تمثل الجميع، فلا تعود حكومة فريق يتربص بالفريق الآخر، ولا يتوجه سلاح المقاومة إلي الداخل مرة أخري، لأن هذه الانعطافة الاستثنائية تضعفه وتنال من سمعته التي بناها بالتضحيات النبيلة والدماء في زمن الانكسارات والهزائم العربية، فهذه البندقية هي التي هزمت العدو الصهيوني مرتين.