كان خطابا مذهلا خطابا صهيونيا من الدرجة الأولي يندر سماعه من قادة إسرائيل نفسها خطابا حمل رسائل كثيرة ابرزها رفع سقف المطلوب من الرئيس الأمريكي المقبل للوقوف الي جانب اسرائيل في محاربة الإرهاب وحتي هذا قليل من كثير مما حملته وسائل الإعلام الإسرائيلية في تقويم وبديع الخطاب الذي القاه الرئيس جورج بوش أمام الكنيست مقرين بأنه كان صهيونيا أكثر من الخطاب الذي القاه رئيس الحكومة الإسرائيلية ايهود أولمرت. لقد أثار خطاب بوش ردود أفعال عربية ودولية في مجملها تحمل استياء من انحياز الرئيس الأمريكي لإسرائيل، وتجاهله الواضح لمعاناة الشعب الفلسطيني بل ومازاد الأمر سوءاً تلميحه غير المباشر في انتقاد الحزب الديمقراطي وبالتحديد المرشح الرئاسي باراك أوباما وما قد يثيره انتخابه من مخاوف بتعاون مع دولة إرهابية مثل إيران الأمر الذي زاد من غضب وردود الأفعال علي الخطاب المفاجأة بكل المقاييس. وفي مجمل ما يحمله خطاب بوش جاء تأكيدا واحدا ووحيدا وهو أن التحالف الأعلي الاستراتيجي بين الولاياتالمتحدة، وإسرائيل كان الهدف الأبرز تغيب خطاب الرئيس الأمريكي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلا تأكيدا علي أن حلجلاهتمامه هو تأكيد التفاهم التام مع الدولة العبرية قولا وفعلا من خلال "سلة الهدايا" الاستراتيجية التي أكدت أوساط قريبة من أولمرت أن الأخير سيحصل عليها رسميا في زيارته لواشنطن في النصف الأول من الشهر المقبل. وإذا كان خطاب بوش قد لاقي كل هذا ؟؟ لدي القادة في إسرائيل والاستياء لدي العرب وداخل أمريكا نفسها، فإن إسرائيل لم تخف هذه الفرحة بالنصر ولم تدع هناك مجالا للشك في نوايا الرئيس بوش من خطابه الصهيوني، أو حتي التأييد في عباراته للتخفيف من حدثه، علي الأقل علي المستوي الدبلوماسي، وكما قال الرئيس الإسرائيلي شمون بيريز معلنا علي الخطاب: "من لم يفهم المغزي المهم فليحاول سماعه عبر آذان عربية". وبالتأمل قليلا في زيارة بوش لإسرائيل مع اقتراب نهاية فترة ولايته الثانية وذكري الاحتلال الإسرائيلي الستين لفلسطين نجد أن للزيارة اسهامان كبيران الأول في الجانب الرمزي من خلال التعبير عن الدعم والتقارب مع إسرائيل، والثانية في المحادثات الاستراتيجية الجدية للغاية في القضايا الرئيسية مثل الأمن القومي والسياسي لدولة إسرائيل، والحوار الجدي جدا في الملف الإيراني وغزة، فهناك اتفاق كامل بين أمريكا وإسرائيل فيما يتعمل بالملف الإيراني والحجة لتحرك ملموس لمنع إيران من تطويرها سلاحا نوويا أن المنطقة وإسرائيل بشكل خاص في الوقت ذاته فإن تنويه بوش بالغمز ضد حملة أوباما الانتخابية خاصة ما يتعلق بإيران والأخذ عليه رغبته فيما لو فاز بالتحاور مع إيران، هي في الحقيقة بمثابة رسالة تحذيرية من الإدارة الحالية للإدارة الجديدة من انتهاج أي سياسة، لما انتهجته الإدارة الحالية التي تودع أيامها الأخيرة في البيت الأبيض، فبهذا التلميح بوش قد رفع سقف المطلوب من خلفه لجهود مواصلة الحرب علي الإرهاب القاعدة وحماس وحزب الله، واحباط جهود إيران للتسلح النووي وليس التحاور معها معتبرا التسليم بإيران نووية خيانة للأجيال المقبلة لقد كانت أقوال بوش أساسا رسالة إلي المرشح الديمقراطي باراك وهو يعني القول بأنه سيستغل الأشهر المقبلة علي ولايته الرئاسية، وحتي آخر يوم من أجل بلورة سياسة صدامية مع طهران، وإنه إذا ما انتخب أوباما في الانتخابات المقبلة، فإنه قد يتخذ خطوات عسكرية حتي خلال فترة اشهر ونصف الشهر الواقع بين الانتخابات وأداء الرئيس القسم الجديد. صحيح أن مواقف بوش المتكررة بانحيازها وتطرفها في تأيده لإسرائيل، لا تلزم خلفه أو الكونجرس الجديد، لكنها بكل تأكيد تعكس التقويم الأمريكي للوضع، فقد عكست هذه الزيارة سابقة من المودة والتعاون لامثيل لهما في التاريخ المعاصر، وهي لم تهدف إلي ابداء التقدير لإسرائيل علي ما انجزته فيفحسبوانما أيضا إلي نقل شعلة المواجهة الاستراتيجية علي ايران إلي الرئيس المقبل. لقد ترك بوش بعد زيارته المشئومة ارتياحا كبيرا داخل اسرائيل فمن سمع خطاب صهيوني بهذه الدرجة من قادة إسرائيليين، حتي أن المتطرفين أرادوا استبدال أولمرت ببوش. ولا يحتاج الأمر إلي تأكيد بأن الادارة الامريكية الحالية بقيادة الرئيس هي الاكثر والأقوي اندماجا مع المشاريع الصهيونية الاسرائيلية وربما مصالحها علي حساب العرب والداخل الامريكي نفسه، مهما حاولنا تجميل الصورة والبحث عن آمال يبدو تحقيقها مستحيلاً في الانصاف الأمريكي للفلسطينين ومهما كانت الوعود والالتزمات اذا لابد ان يدرك العرب ومن قبلهم الفلسطينيون ان الرهان علي قوة الدفع الامريكية تجاه السلام واسترجاع الحقوق المسلوبة هو درب من الخيال لا يمت للواقع السياسي بصلة والعودة إلي الحوار ولحمة الوطن ووحدة الأهداف والمقاومة هي وحدها التي ستحقق أي انجاز قد يحدث علي الأرض.