في كل دول العالم توجد ضوابط صارمة حول عمليات البيع، كما يوجد أكثر من أسلوب، ولكن في مصر الأمر كان مختلفا لدرجة وصفها البعض بالعشوائية نتيجة للشروط التي تمت بها عمليات البيع وعلميات التقييم التي كانت دون المستوي بدليل أن المستثمرين الذين اشتروا تلك الشركات باعوها بعد ذلك بأضعاف أثمانها، بالاضافة إلي إغلاق بعض المصانع واسترداد الحكومة للبعض الآخر نتيجة تدهور أوضاع تلك المصانع بعد بيعها لمستثمرين ليست لديهم أي خبرة. ولعل أهم الشركات التي أثارت جدلا حول بيعها شركات الأسمنت وشركات الحديد وخاصة بعد ارتفاع أسعارهما بدرجة كبيرة، وشركة النصر للمراجل البخارية، وشركة النيل لحليج الأقطان وشركة النشا والجلوكوز وغزل قليوب وشركة الزجاج المسطح والشركة المصرية لتعبئة الزجاجات مصنع بيبسي كولا والأهرام للمشروبات وكلها صفقات أثارت جدلا كبيرا عند بيعها ناهيك عن بدء بيع شركات الأسمنت والحديد للاجانب والبنك المصري الأمريكي وبنك الإسكندرية وشركة عمر أفندي. ولنتوقف قليلا عند شركة المراجل البخارية والتي كانت الوحيدة في مصر والوطن العربي المتخصصة في صناعة المراجل أي الغلايات البخارية وأوعية الضغط العالي الخاصة بالمحطات النووية ومحطات الكهرباء وشركات البترول والصناعات الثقيلة ولا توجد شركة مماثلة لها في المنطقة سوي شركة واحدة داخل إسرائيل وقد تم بيع الشركة المصرية وتسريح عمالها وبيع معداتها ثم أصبحت شركة للاستثمار في فبراير 2007 بعد بيعها لأكثر من مرة حتي وصلت لهذا الوضع كل ذلك علي الرغم من وجود بنود في صفقة البيع مع الحكومة تحظر علي المشتري تغيير نشاط الشركة. أما الحالة الثانية فكانت شركة القاهرة للزيوت والتي اشتراها أحد رجال الأعمال المصريين بمبلغ 58 مليون جنيه وقام بهدم المنشآت والعنابر وباع المعدات، وقام بتقسيم الأراضي وباعها في مزادات لإقامة العمارات والفيلات بسعر اجمالي 148 مليون جنيه. كما تأتي الحالة الثالثة بخطورتها حيث تم بيع شركة النيل لحليج الأقطان وتم تصفية المحالج وتسريح العمال في عام 1999 وبيعت اراضيها للتحول للبناء عليها ودمرت صناعة الأقطان بعد بيع هذه الشركة ومثيلاتها في مصر. أما الحالة الرابعة والتي تثير الغرابة فهي سلوك الشركة الإنجليزية "بلو سيركل" عندما اشترت الإسكندرية للأسمنت، فقد كانت هناك شروط في التعاقد أهمها التحديث وضخ استثمارات جديدة في الشركة والحفاظ علي العمالة، واستلمت بلو سيركل شركة الإسكندرية بعد أن قامت الحكومة بإنشاء خط إنتاج جديد في الشركة، فقامت بلو سيركل بإنشاء شركة تابعة لها تحت اسم "بلو سيركل مصر" ونقلت إليها ملكية خط الأسمنت الجديد بالقيمة الدفترية، لتخالف كل الأعراف والقوانين. كما قامت باستخدام ارباح الشركة في عمليات التحديث وحولت ميزانياتها إلي الخسارة ولم تصرف أي أرباح للمساهمين بدعوي أن الشركة خاسرة ونظرا لتعسف إدارة الشركة الإنجليزية التي تمتلك أكثر من 90% من أسهم الإسكندرية اعترض المساهمون الأقلية ممن يمتلكون 5% فأكثر علي قرارات الجمعية العمومية للشركة الخاصة بنقل الخط الجديد ومنهم الحكومة المصرية باعتبارها مالكة لنسبة 5% من أسهم الشركة، وتم رفع الشكوي لهيئة سوق المال التي أوقفت قرارات الجمعية العمومية للشركة، إلا أن الشركة الإنجليزية رفضت تنفيذ القرار وضربت عرض الحائط بالقانون المصري، وقامت الشركة بعد ذلك بخفض سعر السهم بشكل متعمد لإجبار صغار المساهمين علي البيع وكذلك الحكومة للحصة المتبقية، ووصل سعر السهم في السوق إلي أقل من 30 جنيها. وحسب رؤية وزير الاستثمار محمود محيي الدين فإن سعر السهم في البورصة ليس مقياسا والدليل علي ذلك أنه في ذروة صعود البورصة تم بيع سهم المصري الأمريكي بأقل من سعره في السوق، وبالتالي كان لابد من تحديد قيمة عادلة للسهم وهي لاتقل بأي حال عن مائة جنيه للسهم، إلا أن الحكومة رضخت للشركة الإنجليزية وباعت السهم بسعر 30 جنيها بخسائر مباشرة 50 مليون جنيه عن سعر البيع الأول واستثمارية أكثر من 100 مليون جنيه حسب السعر العادل لسوق وحجم هذه الأموال إذا تم استثمارها منذ وقت اتمام الصفقة الأولي. أما الحالة الخامسة فهي صفقة بيع البنك المصري الأمريكي إلي بنك كاليون الفرنسي ومجموعة المنصور والمغربي للاستثمار التي يمتلكها الوزيران محمد منصور وأحمد المغربي، وتم بيع البنك بسعر 45 جنيها للسهم، رغم أن سعره في السوق وصل وقت الصفقة إلي حوالي 60 جنيها للسهم. أما الحالة السادسة فهي طرة للأسمنت وتم بيعها للسويس للأسمنت، علي اعتبار أن الجانب الأكبر من رأسمال السويس وقتها كان مملوكا للشركات وبنوك مصرية بالاضافة لحصة تمتلكها "سيمنت فرانسيه" وكانت الشركة تمتلك سيولة نقدية توازي أكثر من نصف قيمة الصفقة، إلا أنه لم يتم الاعتراض عليها لأنه تم بيعها لمصريين، وكانت مبررات الحكومة لبيع الشركة للسويس هو إحداث توازن في سوق الأسمنت الذي يسيطر عليه الأجانب، ثم قامت الحكومة بعد ذلك ببيع السويس إلي إيتا ليسمنتي بما تمتلكه من شركات ومنها طرة. وكانت نتيجة عمليات البيع العشوائي سيطرة الأجانب علي أكثر من 70% من سوق الأسمنت المصري، وهو ما أوجد احتكارا جماعيا للسوق، وبررت شركات الأسمنت الأجنبية رفعها لأسعار الأسمنت بارتفاع الأسعار عالميا، رغم أن أي سلعة منتجة في أي دولة يجب أن تراعي ظروف السوق في حالة التسعير فالمنتج يحصل علي عمالة رخيصة وخامات رخيصة، وكهرباء وطاقة بأسعار أقل من المستوي العالمي، وبالتالي فإن تسعير هذه السلعة بأقل من مستواها عالميا هو أمر منطقي.