بقدر ما صعد الاقتصاد الاسباني عاليا في السنوات الماضية فإن سقوطه الراهن لاشك بالغ الايلام. فأسبانيا كما تقول مجلة "الايكونوميست" كانت نجم اوروبا الاقتصادي المنجز لاكثر من عشر سنوات ولكنها الان تتدحرج من القمة التي كانت تجلس عليها في الوقت الذي يبدأ فيه رئيس وزرائها الاشتراكي رودريجو ثاباتيرو فترة حكمه الثانية. وثاباتيرو قدم اوراق اعتماده اخيرا كإشتراكي اصلاحي بتشكيل حكومة جديدة تسيطر عليها النساء "8 وزيرات مقابل 7 وزراء" بمن فيهن وزيرة الدفاع كارمي تشانكون 37 عاما التي تعد اول وزيرة دفاع مدنية في تاريخ اسبانيا وهي بالمناسبة حامل في شهرها السابع ولكن الحاجة الي الاصلاح الاقتصادي صارت شيئا ملحا بغض النظر عن هذا الانتصار الكبير لدور المرأة الاسبانية في الحياة السياسية. ونحن نعرف ان الازمة الناشبة في اسواق الائتمان العالمية قد تزامنت مع تطور غير متوقع في اسبانيا وهو انفجار فقاعة قطاع الاسكان. فقد كان الجميع يتوقعون هبوطا امنا وناعما لهذه الفقاعة ولكن الامر تحول فجأة الي انفجار شديد ومؤلم. فنقاط الضعف الاقتصادية البارزة التي كانت مختبئة وراء ازدهار قطاع التشييد تبدت بشراسة وفي مقدمتها انخفاض النمو في الانتاجية. ومنذ الانتخابات العامة الاسبانية التي جرت يوم 9 مارس الماضي راحت الامور تسوء بدرجة كبيرة. ويتوقع صندوق النقد الدولي ان معدل نمو الاقتصاد الاسباني الذي بلغ 3.8% في العام الماضي لن يتجاوز 1.8% هذا العام وانه سيكون اسوأ في العام القادم 2009. وهذه ستكون اقل معدلات نمو اقتصادي شهدتها اسبانيا منذ عام 1993 اي منذ 15 عاما. والمتوقع ان تهبط اسعار المساكن في السنوات الثلاث القادمة بأكثر من 15% وستصبح اسعار بعض هذه المساكن اقل مما عليها من ديون واقساط. وفي نفس الوقت فإن اسبانيا كعضو في منطقة البورصات لا تملك أية سيطرة منفردة علي اسعار الفائدة او سعر صرف العملة. وتعاني شركات البناء الان بسبب عدم وجود مشترين للمساكن والاسوأ ان هذه الشركات لايمكنها الاقتراض من اجل مغالبة هذه الازمة. وقد افلست بعض هذه الشركات فعلا. ومعلوم ان قطاع التشييد الذي يستحوذ علي نحو 60% من اجمالي القروض المصرفية سوف يفقد 400 الف وظيفة خلال العامين القادمين يضيف اصحابها الي جيش البطالة الاسباني. وعلي أية حال فإن العنصر الاكثر اثارة للقلق هو اختفاء فائض الموازنة فقبل الانتخابات كان ثاباتيرو يؤكد ان لديه مبالغ وفيرة لمواجهة الهبوط المحتمل في الدورة الاقتصادية. وفي العام الماضي كان فائض الموازنة 2.2% من اجمالي الناتج المحلي اي 23 مليار يورو "36 مليار دولار" وهذا الوضع المريح لوضع الماليات العامة للدولة كان يتيح للحكومة قدرة علي المناورة علي حد قول بيدروسولبيز وزير المالية المتمرس ولكن التقرير الذي اصدره بنك BBUA.