مع بداية انتخابات مجلس الشعب في عام 2005 وما تلاها من إصلاحات سياسية، وتعديلات دستورية، انفتح الباب أمام الناس، ليعلو صوتهم كما لم يحدث من قبل. وسط هذه الموجة الشعبية والتي يبدو أن انتظارها قد طال وبالتالي التقي معها الناس بحالة من الاستجابة، أخذت تعابير حادة في بعض الأحيان، وأشكالاً مختلفة تتفق أو تعارض ما يحدث. وسط ذلك الحراك السياسي غير المسبوق كان من الطبيعي أن يظهر من يتماشي معه، أو يستخدمه، أو يعبر عنه من العاملين بمجال الإعلام والصحافة، والذين أصبحوا نجوما، إما بسعيهم، أو باختيار الناس لهم. هناك من استخدم مشاعر الناس ليتلاعب بها، واستخدم مهاراته الأكروباتية في التنقل من حبل إلي آخر، ومن جهة إلي أخري، مستخدما تأثيره، ليخدم هؤلاء أنفسهم قبل اخلاصهم لقضية أو مبدأ. وهناك من كان لديه أجندة، سعي لتحقيقها، محاولا أن يجعل العام ينضوي تحت الخاص، وأن يبرهن بكل وسيلة صادقة أو كاذبة، حقيقية أو مضللة، أن ما يطرحه من أجندة هو عين الصواب، وكبد الحقيقية. كثيرون حازوا علي إعجاب الناس في الصحافة، أو الفضائيات وكثيرون اختلف من حولهم الناس، إلا مجدي مهنا. عرفت مجدي مهنا رحمه الله منذ سنوات طوال حينما زاملني في روزاليوسف، ثم في جريدة "العالم اليوم" ولكنه بدا مقاتلاً شرساً في دفاعه عن قانون الصحافة وحرية الصحفيين، قبل هذه الموجة من الحراك السياسي بكثير واتفق معه زملاء كثر. ثم ومع موجة ،2005 بدأ مجدي مهنا يتصدر مقدمة المشهد الإعلامي، ليس بالتلاعب، أو الأجندة، أو السعي للسيطرة علي عقول وقلوب الناس بالباطل، وإنما بالاختيار والإعجاب الحقيقي من الناس. لم يدلس، ولم يتلاعب، وإنما كان صادقا في كل ما يقول ويطرح من أفكار، اختلف معه كثيرون، واتفق معه أكثر الناس، ولكن في حالات الاتفاق أو الاختلاف، كان صادقا فيما يطرح، بقوة وشجاعة، وجرأة، فاستحق الاحترام في كل الأحوال. كان مهموماً، بما يجري حوله من تطور سياسي، موجوعاً بالاخفاق، والتردد، متألما من عدم القدرة علي فهم الواقع والتفاعل معه من قبل المسئولين، رغم وضوح الصورة كما يراها هو. كان عموده اليومي بالزميلة المصري اليوم، هايد بارك مصري، يقول فيه كل ما يخطر له علي بال، طالما أنه كان معتقدا فيه بصدق، وصدقه القراء، وتفاعلوا معه وتجاوبوا مع ما يقول. أصبح مهنا، فارسا من فرسان الشاشة الفضية سواء علي قنوات التليفزيون المصري، أو علي شاشة دريم، ورغم بعد المسافة في التوجه ما بين الاثنين كان مجدي مهنا، هو هو نفسه في الحالتين، لم يتكلم هنا بصوت وهناك بصوت آخر، إنما كان الصدق هو عنوان ما يقول دوماً. التقينا مؤخرا، علي مائدة إفطار رمضانية، دعتنا إليها الزميلة المصري اليوم، وكان معي الزميل والصديق سعد هجرس، ود. محمود عمارة ومجموعة من الزملاء. وقبل الإفطار دار بيننا حديث شيق حول الشأن العام، والهم المشترك، وسعدت برؤيته الأخيرة التي لم أعلم وقتها أهيمتها، ولكن أدركت الآن. غاب عنا مجدي مهنا، لم يتحمل كبده، المرض، ولكنه أصاب دوما كبد الحقيقة، ومثل مهنا، قد يغيب بجسده ولكنه سيظل بصدقه حاضراً دوماً. رحم الله الزميل مجدي مهنا.