في صحيفة "الشرق الأوسط" يوم الجمعة الماضية تصريح غريب للمدير الفني للمنتخب السوداني لكرة القدم يقول فيه إن فريقه لا يهتم كثيرا بالمنافسة علي الصعود للدور الثاني في البطولة الإفريقية بقدر رغبته في تحقيق الفوز علي المنتخب المصري..! والتصريح جاء مماثلا للعديد من التصريحات السابقة التي انطلقت في الخرطوم خلال مباريات كأس الأمم الإفريقية للأندية والتي قال أصحابها إن الجمهور السوداني سيشجع أي فريق حتي لو كان من دول الأعداء إذا كان طرفها الآخر مصرياً..! وهي تصريحات مستفزة للغاية ولا تنتمي إلي عالم الرياضة ناهيك عن كونها تصدر من أشقاء..! ولا يمكن النظر إلي هذه التصريحات في إطار التنافس الرياضي فقط ولكنها انعكاس للعديد من المظاهر الأخري التي تترجم حالة غريبة من التباعد في العلاقات العربية. فلم يكن المدير الفني السوداني هو وحده الذي يحمل داخله مشاعر ثأرية تجاه مصر وإنما الأمر ذاته يتكرر كثيرا في مواجهات الفرق المصرية مع الأشقاء العرب والتي لا تخلو من العنف والتعصب الجماهيري اللامبرر له. وقد يكون ذلك أمرا منطقيا في ظل التفوق المصري في جميع المجالات خلال العقود الماضية وإحساس الآخرين بأن التفوق أو الفوز علي مصر هو معيار النجاح وعلامة علي التقدم. وقد يكون أيضا بدافع الحصول علي انتصار تاريخي علي البلد الذي كان بمثابة الأستاذ للآخرين. وهي دوافع منطقية ومشروعة في إطار التعصب والانتماء الوطني، ولكنها غير مقبولة عندما تأخذ شكلا حادا يتعدي حدود المنافسة ويدخل في إطار المواجهة والحرب النفسية أيضا. ويبدو أن عدوي الصراع الفني قد انتقلت أيضا إلي الرياضة، فكما يفعل الأشقاء في سوريا الذين لا يتركون مناسبة دون التعريض بالفن والفنانين المصريين والإيماء بأن الريادة قد أصبحت سورية، فإن هناك البعض الذين يريدون أيضا إزاحة مصر عن الساحة الرياضية ويركزون في ذلك علي كرة القدم اللعبة الشعبية الأولي وينفقون عليها ميزانيات ضخمة معتقدين أن الفوز علي الفرق المصرية يعكس المكانة التي يحاولون الارتقاء إليها في أن يصبحوا مراكز جديدة مؤثرة في قيادة العالم العربي. ولأن الجماهير في عالمنا العربي تفتقر إلي الكثير من مقومات التقييم السليمة ولأننا نعاني من أعلي نسب الأمية في العالم فإن الرياضة تلعب دورا كبيرا في صياغة فكر وتوجهات هذه الجماهير التي تتعامل مع أي انتصار رياضي علي أنه انتصار في معركة وأنه نتاج لقوة أي دولة في المجالات الأخري. ويقينا فإن هذه الروح البغيضة التي لا علاقة لها بالرياضة هي التي دفعت اللجنة المنظمة للبطولة الإفريقية الحالية إلي التحذير من روح العنصرية التي تسود تعليقات بعض مذيعي مباريات الدورة من حديثهم المستمر عن انحيازهم للفرق العربية ضد الفرق الإفريقية رغم أن البطولة هدفها إظهار إفريقيا كقارة واحدة لها مكانتها وقيمتها واتحادها. وهو تحذير بالغ الدلالة والأهمية وجاء بمثابة درس قاسي للذين لا يريدون أن يفهموا ويدركوا معني وأهمية وقيمة مثل هذه البطولات التي لا يمكن أن يكون الهدف منها هو مجرد الفوز والحصول علي الميداليات بقدر ما هي مظاهرة وتجمع حضاري راق يجمع ويقرب بين شعوب هذه الدول المشاركة ويعطي العالم نموذجا في مدي ما وصلت إليه من رقي وتقدم. إن ما يؤسف له أن هذا الجهل والتعصب الرياضي في المنافسات العربية والتربص بالفرق المصرية إنما يعكس أيضا إحساسا لدي بعض هذه الدول خاصة التي يعمل بها أعداد كبيرة من المصريين بأن الإنسان لديهم هو الأعلي والأغلي قيمة وأنه يصبح من الضروري أن تفوز فرقهم علي الفرق المصرية لتأكيد هذا الاعتقاد. وهذا التعصب هو نتيجة أيضا العنصرية والطائفية التي تسود بعض هذه الدول وهي عنصرية أصبحت أكثر تعبيرا ووضوحا بسبب غرور المال الذي أوجد فجوة كبيرة بين الطبقات وأوجد مجتمعات ذات فكر مزدوج ترفع شعار محاربة العنصرية لكنها أول من يمارسها وتتحدث عن ضرورة القضاء علي الطائفية بينما هي من يتخندق في إطارها! وتأتي مصر بسياساتها التي تحمل إرث الماضي ومخزون التدفق والريادة لتترفع عن هذه الصغائر وتبتعد عن أن تكون طرفا فيها وهو ما قد يدفع البعض إلي الاعتقاد والتوهم بأن هذا نوعا من الضعف أو نوعا من التراجع وفقدان الريادة. إن المدير الفني للمنتخب السوداني لكرة القدم أخطأ كثيرا بهذه التصريحات ولكن الخطأ الأكبر هو خطأ اتحاد كرة القدم السوداني الذي لم يعتذر عنها ولم يوجه اللوم إلي المدير الفني علي هذه التصريحات التي لا تعكس وحدة وادي النيل ولا الدور المصري المساند للسودان دائما ولا الملايين من السودانيين الذين يقيمون ويعملون في مصر في سلام بجانب اخوانهم المصريين ويتقاسمون سويا رغيف الخبز في سلام ووئام!! ملحوظة: كتبت هذا المقال صباح يوم السبت قبل مباراة مصر والسودان وليس مهما ماذا ستكون نتيجة اللقاء لأن ما أردت قوله لا علاقة له بمن يفوز ومن يخسر! [email protected]