تشهد العلاقات المصرية الأمريكية موجات متعددة مابين الاتفاق والاتساق الي الجذب والشد وعادة ما تصبح قضية المعونة الأمريكية هي فتيل الاشتعال في كل أزمة سياسية تثار ، وتتأرجح الاراء داخليا ما بين مطالب بالاستغناء عن تلك المعونات و بين ضرورة استمرارها لخدمة مشروعات حكومية ضخمة ، بينما تستخدمها جماعات الضغط داخل أروقة الإدارة الامريكية لتحقيق مصالحها و الدفع بمطالب سياسية كالإصلاح وحقوق الإنسان والديمقراطية و دعم سياسات الولاياتالمتحدة في المنطقة. العالم اليوم الأسبوعي التقت جون جرورك مدير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية الذي أجاب بوضوح وبدبلوماسية واضحة عن عدة قضايا تشغل الشارع المصري عن العلاقات المصرية الامريكية والملفات الشائكة في المنح التي تقدمها الوكالة لمنظمات المجتمع المدني، والضغوط حول تطبيق الديمقراطية ودعم حقوق الإنسان التي يعتبرها البعض تدخلا في الشأن المصري . * هناك ضغوط داخل أروقة الكونجرس من جماعات الضغط المختلفة لتخفيض المعونة الأمريكية الي مصر وإعادة النظر في فائدتها وعائدها او تحقيقها للأهداف المرجوة منها و قد أدي ذلك إلي تغييرات هيكلية في حجم وشكل المعونات والمساعدات الاقتصادية لمصر، فهل هذا صحيح وما هو شكل هذه التغييرات؟ ولماذا الآن؟ نعم هناك اتجاه منذ أوائل التسعينيات لتقليص المعونات الحكومية المقدمة إلي الدول النامية بصفة عامة، والتحول من المعونات الرسمية للتنمية، إلي التجارة والاستثمار، وقد بدأت أمريكا في تطبيق هذا التوجه علي مصر منذ يناير 1998، حيث تقرر تخفيض المعونات الاقتصادية اعتبارًا من عام 1999 بنسبة 5% تقريبًا في كل سنة، أو بنحو 40 مليون دولار في كل سنة بحيث تنخفض المعونات الاقتصادية إلي النصف تقريبًا بحلول عام 2009 من 815 مليون دولار في 1998 إلي 407.5 مليون دولار في عام 2009. بناء علي هذا التوجه، انخفضت المعونات الاقتصادية الأمريكية التي تقدم سنويا لمصر، كما قمنا بتغييرات هيكلية مند سنوات قليلة تستهدف الانتقال الي دفع الأموال بصورة مباشرة الي منظمات المجتمع المدني، من خلال التحويلات النقدية وهو جزء من البرنامج ، في حين يستمر الجزء الآخر في العمل مع الحكومة المصرية لتمويل المشروعات الحكومية في القطاعات المختلفة. والي جانب ذلك خصصنا جزء من البرنامج لمساعدة جمعيات المجتمع المدني وعطاء منح ومعونة مباشرة وقروض للصناعات الصغيرة والمتوسطة ودعم برامج التعليم في المدارس التجريبية، ودعم برامج محو الأمية الخاصة بالفتيات الريفيات وتأسيس مشاريع القرية المنتجة. والسبب في هذه التغييرات هو أننا نؤمن ان مصر أصبحت مستعدة وقادرة علي تحمل مسئوليات التنمية بعد ما حققته من تقدم مذهل خلال الثلاثين عاما الماضية و حققت معدل نمو تجاوز7% و هو معدل جيد للغاية و يكفي للتدليل علي ذلك مقارنة أوضاع مصر منذ ثلاثين عاما بأوضاعها في الوقت الراهن، مما يشير إلي انها تسير في الطريق الصحيح . *هناك غضب شعبي يثور كلما أثيرت قضية المساعدات الأمريكية لمصر والتلويح أو التهديد بتخفيضها وهناك آراء تطالب بالاستغناء عن المعونات الأمريكية التي لا تشكل اكثر من 3% من الناتج القومي الإجمالي وخاصة ان مصر- كما ذكرت- استطاعت تحقيق انجازات اقتصادية جيدة . وتشير تلك الآراء إلي ان الولاياتالمتحدة تستفيد من برنامج المساعدات أكثر مما تستفيد منه مصر، اذ إن جزءا كبيرا من أموال المعونة الذي خصص للمشروعات الاقتصادية في مصر يذهب إلي دعم المزارع والمنتج الأميركي ولم يتجه إلي مساعدة الاقتصاد المصري علي الدخول في الصناعات التي من شأنها أن تحقق قفزة تكنولوجية كبيرة مثل صناعة الرقائق الإلكترونية وتكنولوجيا المعلومات، كذلك اشتراط المعونة تخصيص جانب من أموالها للخبراء الأمريكيين في المشروعات الجاري تنفيذها، واستيراد معدات أمريكية وضخ جزء كبير منها في تمويل استيراد فائض الحبوب الأمريكية وتمويل عمليات النقل عبر وسائل نقل أمريكي، بالإضافة إلي فتح السوق المصري للسلع الأمريكية رغم ارتفاع أسعارها مقارنة بمثيلاتها الأسيوية فما هو تعليقك؟ في البداية يجب التوضيح ان المساعدات الاقتصادية التي تقدمها الإدارة الأمريكية للشعب المصري ليست صدقة او هبة وإنما تستهدف مصلحة البلدين والشعب المصري يتسم بالاعتزاز بكرامته وكبريائه ولا يقبل أن يأخذ صدقة ولا توجد شروط لمنح المساعدات ، فالغرض الأساسي لبرنامج المعونة هو مساعدة مصر علي تطوير الاقتصاد وتنفيذ برامج النمو الاقتصادي ولذلك تضع الحكومة المصرية أولوياتها وتضع البرامج والمشروعات ذات الأهمية بالنسبة لها وليس القيام بأنفسنا بالإصلاح.