طلب الرئيس الأمريكي جورج بوش من الكونجرس عدم اتخاذ أي إجراء من شأنه تقليل أو قطع المعونة عن مصر، مبررًا ذلك بأن مثل هذه العقوبة ستضر بالمصالح القومية للولايات المتحدة. ووصف مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشئون الشرق الأوسط ديفيد وولش مصر بأنها "حجر الزاوية في سياسة الولاياتالمتحدة للسلام والأمن في الشرق الأوسط"، مما يستلزم استمرار المعونات الاقتصادية والعسكرية السنوية التي تتلقاها القاهرة من واشنطن. وأضاف في شهادته أمام اللجنة الفرعية لشؤون الشرق الأوسط في مجلس النواب أن المعونات الأمريكية المقدمة لمصر والتي تبلغ سنويا نحو ملياري دولار "ساعدت في تحقيق الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة بالمنطقة". وكان عدد من أعضاء الكونجرس قد عارض استمرار المعونات الاقتصادية المقدمة إلى مصر بسبب حملة القمع والاعتقالات الواسعة للمطالبين بالإصلاح السياسي والديمقراطي . وقال العضو الديمقراطي عن نيويورك جاري كيرمان إنه "على الرغم من أن وجود الإخوان المسلمين بالسلطة في مصر ليس لصالح الولاياتالمتحدة إلا أنه ينبغي السماح لهم بالمزيد من الحرية في السياسات المصرية". وحث أعضاء آخرون الحكومة الأمريكية على الدفع في اتجاه المزيد من الديمقراطية في مصر، غير أنهم شددوا على ضرورة أن لا يكون هذا الدفع مبالغًا فيه. وقالت النائبة إيليانا روس ليتينن عن الحزب الجمهوري إنه قد حان الوقت لطلب عوائد أكبر عن الاستثمارات الأمريكية في مصر، مؤكدة أنه يتوجب على واشنطن أن تعمل على ضمان ألا تستخدم مكافحة "الإرهاب" كذريعة من الحكومة المصرية لقمع المعارضة السياسية المشروعة، وأن يعاد تقييم المعونات لمصر لضمان استخدامها بشكل فعال. وعلى صعيد متصل، وصف محللون سياسيون مطالبة بوش للكونجرس بعدم قطع المعونة عن مصر بأنها تؤكد أن الولاياتالمتحدة لا يعنيها الإصلاح السياسي ولا التحول الديمقراطي في مصر، مشيرين إلى أن مطالبات بعض أعضاء الكونجرس والإدارة الأمريكية بقطع تلك المعونات كعقاب للنظام المصري على إجراءات القمع والاعتقالات تأتي في إطار توزيع الأدوار داخل الإدارة الأمريكية. يأتي ذلك فيما كشفت مصادر مقربة من السفارة الأمريكيةبالقاهرة عن أراء مثيرة للجدل أدلى بها السفير الأمريكي ريتشارد دوني خلال جلسة خاصة ضمت عددًا محدودًا من الشخصيات العامة المصرية، عن موقف الإدارة الأمريكية من الصراع الدائر حاليًا بين المعارضة والحكومة في مصر وعن قضية المعونات السنوية لمصر. ومما قاله السفير الأمريكي خلال تلك الجلسة: إن بلاده تمنح مصر إحسانًا وصدقة تحت مسمى (المعونة الأمريكية) التي تقدمها واشنطن لمصر منذ توقيعها معاهدة السلام مع إسرائيل في عام 1979م. وعندما اعترض أحد الحضور على ذلك رد عليه ريتشارد دوني بسخرية قائلاً: "إن المليارات التي تمنحها أمريكا لمصر ليس لها مسمى آخر بخلاف كونها إما إحسانًا أو إتاوة تدفعها لضعفها واحتياجها للحكومة المصرية، وحيث إن الحكومة الأمريكية ليست ضعيفة بحيث تصبح في حاجة إلى الحكومة المصرية، فالمعونة الأمريكية هي إحسان من أمريكا لمصر". وتحدث السفير الأمريكي كذلك عن الصراع الدائرة بين الحكومة المصرية والمعارضة، ناعتًا الحكومة المصرية والمعارضة المصرية على حد سواء بالانتهازية والنفاق. وفسر ذلك بقوله: إن الحكومة تريد أن تأخذ المعونة من أمريكا ثم تنتقدها لدعمها للمطالبين بالإصلاح السياسي والحقوقي في مصر، بينما على الجانب الآخر نرى المعارضة تهاجم أمريكا بشدة بحجة دعمها للنظام المصري، وفي الوقت نفسه تستغيث بها كلما تعرضت لبطش النظام. وتعليقا على سؤال حول سعي أمريكا وراء تحقيق مصالحها في الشرق الأوسط دون مراعاة لأي جوانب أخرى، أقر السفير الأمريكي بأن أمريكا كدولة عظمى لا يعنيها إلا مصالحها ، مضيفا أن أي نظام سياسي في العالم لا يجب أن ينشغل سوى بمصالحه الخاصة. واسترسل السفير الأمريكي قائلاً: إن واشنطن لن تخوض معركة أحد ، سواء الحكومة المصرية أو المعارضة، مؤكدًا أن مصلحة الإدارة الأمريكية في هذه المرحلة مرتبطة بالنظام الحاكم في مصر حاليًا، لأن واشنطن بحاجة للتنسيق معه بشأن ثلاث ملفات لها الأولوية في اهتمامات الإدارة الأمريكية قبل مسألة الإصلاح السياسي في مصر وهي: الضغط على حكومة "حماس" والملف الإيراني وقضية دارفور. وكانت الولاياتالمتحدة قد انتقدت الأسبوع الماضي عمليات القمع قامت بها سلطات الأمن المصرية لمظاهرات سلمية في القاهرة ، وطالبت الحكومة بتنفيذ وعودها الإصلاحية، كما استقبلت واشنطن منذ أيام رئيس لجنة السياسات في الحزب الوطني الحاكم جمال مبارك.