انفردت "العالم اليوم" بنشر خبر خصخصة بنك القاهرة يوم الأحد الماضي، ومن نافلة القول أن قرار نشر القصة الخبرية المثيرة بهذا الصدد التي جذب خيوطها الزميل مصطفي عبد السلام بمهارة وصعوبة لم يكن سهلا. فالخبر من الوزن الثقيل ويخص واحداً من البنوك الأربعة المملوكة للدولة، وهذا البنك بالذات كان مادة خصبة لسلسلة من القرارات غير المسبوقة، بدءا من الدمج في بنك مصر ثم استبدال الدمج بالاستحواذ كما هو معروف. لذلك جاء قرار نشر خبر بيع بنك القاهرة بعد تدقيق واتصالات بمصادر متعددة، أي ان قرار النشر جاء بعد التأكد من صحة الخبر. ولا أكتب هذا الكلام للمباهاة بالسبق الذي حققته "العالم اليوم" أو التفاخر بالهدف الذي أحرزه مصطفي عبد السلام. ما دفعني إلي الكتابة بالأحري هو أنه بمجرد نشر "العالم اليوم" خبر خصخصة بنك القاهرة، وصلنا "تكذيب" صريح لما نشرناه. وجاء التكذيب علي لسان عمرو المهدي مدير عام بنك مصر الذي أكد استمرار بنك مصر في إجراءات عملية استحواذه علي بنك القاهرة، نافيا ما تردد مؤخرا عن الاتجاه لبيع بنك القاهرة. وأوضح المهدي في تصريحات خاصة للنشرة الاقتصادية لوكالة أنباء الشرق الأوسط أمس الأول 9 يوليو "أن إجراءات استحواذ بنك مصر علي القاهرة تمضي في طريقها بشكل طبيعي دون أية عوائق، متوقعا أن ينتهي البنك من إتمام عملية الاستحواذ بنهاية العام الجاري" وعاد ليؤكد أنه "لا أساس من الصحة لما نشر في بعض الصحف المستقلة (يقصد العالم اليوم) حول تغيير موقف البنك من عملية الاستحواذ، مؤكدا في هذا الصدد أن تأجيل تنفيذ قرار الاستحواذ لا يعني البيع وإنما قد يستغرق بعض الوقت نظراً لطبيعة حجم البنكين. ولم يكتف عمرو المهدي بذلك بل أشار أيضا إلي "أن تغيير قرار الدمج بقرار الاستحواذ قد أعطي الفرصة للبعض (من أمثالنا) لإبداء بعض التكهنات غير المستندة علي أية أدلة أو قرارات من المالك، أي من الحكومة، وهي الاتجاه الي الخصخصة". هكذا وبعد أقل من 24 ساعة علي نشر "العالم اليوم" خبر بيع بنك القاهرة جاء هذا التكذيب المسهب والقاطع والحاسم الذي يدمغنا بالفبركة والاختلاق والعياذ بالله ويصف ما نشرناه بأنه تكهنات غير مستندة علي أية أدلة"؟ لكن من سوء حظ السيد عمرو المهدي أنه بعد أن بعث إلينا بهذا التكذيب، كما بعث به إلي وكالة أنباء الشرق الأوسط التي قامت ببثه علي الفور بطبيعة الحال، إن المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء الدكتور مجدي راضي قد أدلي بتصريحات في نفس اليوم، أي أمس الأول الاثنين يعلن فيها أنه تقرر طرح 80% من اسهم رأس مال بنك القاهرة لمستثمر إستراتيجي في إطار برنامج إعادة إصلاح وهيكلة محفظة البنوك التجارية العامة في مصر. وان هذا القرار هو ما أسفر عنه اجتماع عقده الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء وحضره الدكتور محمود محيي الدين وزير الاستثمار والدكتور فاروق العقدة محافظ البنك المركزي ومحمد بركات رئيس بنك مصر الذي يستحوذ علي بنك القاهرة. أي أن السيد مدير عام بنك مصر كان يبعث بتكذيبه الي الصحف بينما رئيسه (محمد بركات) منهمك في اجتماع يقوده رئيس الوزراء من أجل بيع بنك القاهرة. وليس من بين اهتماماتنا آليات الاتصال والتفاهم بين رئيس بنك مصر ومديره العام. لكن ما يهمنا من هذه القصة المفجعة عدة أمور: 1- الصعوبة الحقيقية في الحصول علي "معلومات" في هذا البلد حيث يعتبر كثير من المسئولين أن المعلومات أسراراً عسكرية يمنحونها لمن يشاؤن وقتما يريدون ويحبسونها عمن لا يحبون وفقا لاهوائهم ووجهات نظرهم. وهذا ما يجعلنا ننسب أخبارنا في حالات كثيرة إلي "مصدر مطلع" أو "مصدر مسئول" أو ما شابه ذلك لان معظم المسئولين يخشون من نسبة الأخبار إليهم حتي مع تأكدهم من أنها أخبار صحيحة مائة في المائة. 2- استسهال التكذيب والنفي، ربما أخذا بالأحوط، وإلا .. بماذا تفسرون هرولة السيد عمرو المهدي الي مثل هذا التكذيب العجيب؟! 3- لنفترض أن الاجتماع الذي رأسه نظيف لم يعقد أمس الأول وعقد بعدها بيومين أو ثلاثة. ألم يكن مفروضا علينا أن ننشر تكذيب السيد المهدي بنصه، رغم أننا متأكدين من المعلومات التي نشرناها؟! وألم يكن نشر هذا التكذيب سيلحق الاذي بسمعتنا كجريدة موضع ثقة قرائها، وسيلطخ سمعة الزميل الذي وضع اسمه علي هذا السبق الصحفي، وسيضيف صفحة جديدة الي الكتاب المتخم الذي يستسهل الهجوم علي الصحفيين. 4- إذا كانت أصول المهنة تحتم علينا نشر التكذيب، فما العمل مع المسئول الذي يقوم بتكذيب ما ينشر في الصحافة بدون وجه حق. وما هي عقوبة التكذيب الكاذب؟ وهل يمر الكذب علي الرأي العام، وتضليله، دون حساب؟ ما رأيكم دام فضلكم؟!