بعد الارتفاع الكبير في أسعار البترول خلال الأعوام الأخيرة صار الكثيرون يتساءلون عن البترودولارات التي تحصل عليها الدول المصدرة للبترول كم حجمها؟ وإلي أين تذهب؟ وبهذه المناسبة تقول مجلة "الايكونوميست" إن دول مجلس التعاون الخليجي الست وهي: السعودية والكويت وعمان وقطر والبحرين ودولة الامارات قد دخل خزائنها 1.5 تريليون دولار من صادراتها البترولية خلال الفترة 2002/2006 وهو ضعف ما كانت قد حصلت عليه من البترودولارات خلال السنوات الخمس السابقة علي هذا التاريخ. وقد انفقت دول الخليج علي الواردات خلال تلك السنوات تريليون دولار أما الباقي الذي يمثل فائضا في الميزان الحسابي للدول الخليجية وهو نحو 542 مليار دولار فقد تم استثماره في الخارج.. ولكن أين؟ لاشك ان الاجابة عن هذا السؤال تعكس حالة من الفضول الشديد خاصة لدي صناديق التحوط التي تشعر بزيادة ملموسة في أسعار الأصول الدولية التي تتنافس من أجل شرائها والحق أن الصين ودول الخليج قد لعبت دورا مهما في استيعاض النقص الحادث في المدخرات الأمريكية حيث قاموا بشراء كميات هائلة من الأصول الدولارية وأي تغير في شهية هذه الدول نحو الأصول الدولارية كفيل بأن يهز الدولار ويدفع أسعار الفائدة الأمريكية إلي الارتفاع. ويحاول مديرو صناديق التحوط تتبع مسار حركة هذه الفوائض البترودولارية لاعتقادهم بأنها أسرع حركة من أي مصدر آخر من مصادر السيولة الدولية مثل الاحتياطيات الآسيوية وانها ايضا لن تقنع طويلا بالكمون في الأوراق المالية للخزانة الامريكية وانها اكثر من ذلك قد تكون أقوي نفوذا إذا جري استثمارها في صناديق التحوط وشركات التخارج ويمكن القول بأن هذا الأمر ينطوي علي عملية تخمين مثيرة خصوصا ان دول الخليج ذاتها لا تعطي أية معلومات عن كيفية استثمارها لهذه الأموال ولا حتي أية تقديرات يمكن الاسترشاد بها ولذلك فإن مديري صناديق التحوط يجمعون معلوماتهم في هذا الشأن قطعة قطعة من المصادر غير الخليجية. وفي اجتماعه السنوي في العاصمة اليونانية أثينا أخيرا حاول معهد التمويل الدولي IIF وهو مجموعة مصرفية عالمية ان يضع يده في هذه المسألة وبدأ تحليلاته بالإعلان عن بعض الإحصاءات المأخوذة عن النظام الدولي لرأس المال التابع للخزانة الأمريكية والذي يتحدث عادة عن الملكيات الاجنبية للأوراق المالية الامريكية والمأخوذة أيضا عن بنك التسويات الدولية الذي يركز علي أرقام الودائع المصرفية المملوكة لأجانب وقاعدة بيانات بلومبرج الخاصة بحركة الاندماج والاكتساب علي المستوي العالمي. وتقول مجلة "الايكونوميست" ان هذه المصادر أوضحت ان التدفق الرأسمالي الذي خرج من دول الخليج خلال السنوات الخمس 2002/2006 كان يناهز ال260 مليار دولار اي نحو 48% من الفوائض الخليجية خلال ذات الفترة وهذه الصورة الحزينة تشي بأن الخليجيين أصبحوا أقل اهتماما بالادخار في الودائع المصرفية وانهم صاروا مشترين كبارا للأسهم الأمريكية وسندات الحكومة الأمريكية وان اقبالهم المباشر علي شراء الشركات قد تزايد وخاصة الشركات الأوروبية. ولمعرفة مكان ال280 مليار دولار الباقية كان علي معهد التمويل الدولي ان يلجأ الي لعبة التخمين وهو يعتقد أن شريحة كبيرة من هذا المبلغ جري استثمارها في الولاياتالمتحدة والحقيقة ان ارقام الخزانة الامريكية لا تتضمن الأسهم والسندات المشتراة عن طريق وسيط اجنبي مثل بنك استثمار مقره لندن ولذلك فهي تصور المشتريات الخليجية في السنوات الخمس الماضية اقل من حقيقتها بنحو 100 مليار دولار وذلك طبقا لتخمينات معهد التمويل الدولي. وهناك جزء من الفوائض الخليجية البترودولارية يستثمر في شراء الصكوك في الاسواق المحلية وقد جري اصدار ما قيمته 21 مليار دولار من هذه الصكوك الاسلامية في عام 2006 بزيادة 46% عن العام السابق. ويخمن معهد التمويل الدولي ان 100 مليار دولار او نحو 20% من هذه الفوائض البترودولارية قد ذهبت الي أوروبا في فترة السنوات الخمس وذلك لشراء الاسهم والسندات والشركات والممتلكات في القارة الاوروبية وان هناك 60 مليار دولار اخري ذهبت إلي آسيا خاصة للاستثمار في مشروعات البنية الأساسية وشراء الممتلكات والشركات وقد حظيت منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا بنحو 60 مليار دولار اخري من هذه الفوائض وهذا معناه باختصار ان أمريكا فازت بنصيب الأسد (300 مليار دولار) من الفوائض البترودولارية لدول الخليج تليها أوروبا وهذا أمر له مغزاه دون جدال.