الأصناف العديدة من فاكهة الصيف المطروحة في الأسواق الآن تتواكب بالفعل مع متغيرات العصر، بل ونتاج لزمن العولمة. فتلك الفاكهة ذات شكل جميل وألوان جذابة وحجمها كبير ومتناسق، بل ومتوافرة عند الباعة بأسعار معقولة.. ولكنها في نفس الوقت بلا طعم أو رائحة تقريبا، بل إن كثيرا ما نجد مذاقها مالحا أحيانا، وتفوح منها رائحة كيماوية، كما أن بذرتها الداخلية مختلفة بعض الشيء عما نعهده في أصناف الفاكهة. فبعض منتجات المشمش -علي سبيل المثال- ذات شكل رائع، ولكنها بلا رائحة تقريبا وطعمها مختلف رغم ما يبدو علي الثمرة من الخارج انها كبيرة الحجم ومرنة علي غير المعتاد.. أما داخلها فنجد العجب.. فبجانب الطعم "الماسخ" نجد "النواة" تتفتت بمجرد فتح الثمرة، وهذا الأمر نجده أيضا في ثمار الخوخ ذات الشكل الجذاب واللون الجميل، والتي بمجرد فتحها نجدها تتحول إلي عصير!! بل وتتصفي تلك الثمرة وتصبح "جلدا علي نواية"، بل إن "النواة" تتفتت أيضا، ونجد أحيانا داخلها ديدانا وأشياء أخري غريبة. وهذا الخوخ يختلف بالطبع عن الخوخ السيناوي ذي الحجم الصغير والمذاق الجيد، وعن المشمش الحموي ذي الطعم "المزز" والنواة الصلبة التي كنا نصنع من لبها "دُقة"، بل إن ثمار البطيخ الآن نجدها من الداخل حمراء جدا ولكن بمجرد أن تترك في الهواء قليلا يتغير شكلها ويصبح قوامها لزجا وطعمها غريبا بعد أن كان البطيخ قديما "مرمل" من الداخل.. بل "حَمَار وحلاوة". والسبب في تغير أحوال بعض الفاكهة وحدوث خلل في طعمها ولونها ورائحتها رغم شكلها الجذاب "الكبير" وألوانها الزاهية، هو الإفراط في استعمال محفزات النمو تارة والهرمونات تارة أخري وكذلك استخدام مبيدات "رخيصة"، بل ومسرطنة أحيانا.. وذلك من أجل سرعة نمو ثمار الفاكهة وزيادة انتاجها طمعا في المزيد من المكاسب. والفاكهة التي تباع حاليا بالطبع تختلف كثيرا عن فاكهة الزمن الجميل التي كنا نستمتع بشكلها ورائحتها وطعمها، لإنها فاكهة زرعت في عصر العولمة، فهي منتج من منتجات هذا العصر المتقدم تكنولوجيا، والأرقي علميا، عصر الألوان الزاهية والأشكال الجذابة والبهرجة والاستنساخ والترفيه والمتعة.. ولكنه خال تقريبا من الروح والرائحة والطعم والمضمون. فالتقدم العلمي خاصة في مجال الهندسة الوراثية كان من نتاجه اللعب في بذور النباتات وتهجينها لانتاج خضراوات وفاكهة بمواصفات معينة حسب الطلب ورغبة "الزبون"، بل إن الكيماويات كادت أن تصبح بديلا عن المنتجات الزراعية، بل الذكاء الكيماوي الآن أدي إلي تصنيع أسمدة ومبيدات عديدة من أجل استخدامها في الزراعة ومن أجل سرعة انتاج محاصيل تحمل في جنباتها غذاء وأمراضا في نفس الوقت خاصة الأمراض السرطانية التي لا تظهر إلا بعد فترة طويلة.. بل ويدفع ثمن ذلك -كالعادة-.. الأطفال البسطاء.. الذين يتناولون فاكهة زمن العولمة المضروبة.