الصمت الحكومي المريب عن استمرار ارتفاع أسعار الخضراوات لا أجد له تفسيراً سوي أن المسئولين لا يأكلون "الطبيخ" إطلاقا، بل أو حتي لا يشربون مياه الصنبور العادية، أو بمعني أدق لا يشعرون بما يعانيه بسطاء المصريين الآن من عدم حصولهم علي القدر الكافي من الطعام "المتوازن" حاليا، لأنه ببساطة إذا أرادت أسرة مكونة من خمسة أفراد أن تتناول 3 وجبات عادية منها وجبة الغذاء فسوف تتكلف في المتوسط 70 جنيهاً يومياً بل من الممكن أن يصل هذا المبلغ إلي حوالي 100 جنيه إذا تناولت تلك الأسرة الوجبات الثلاث كاملة بطعام عادي لا يخلو من الفول والخبز واللبن والبيض والجبن والحلوي بجانب الخضراوات والفاكهة واللحوم أو الدواجن أو الأسماك. فعلي سبيل المثال إذا اشترت تلك الأسرة كيلو من اللحم ب 40 جنيهاً أو دجاجة متوسطة الحجم ب 30 جنيهاً وبها كيلو بصل 5 جنيهات وطماطم 5.4 جنيه ونوع من الخضار 4 جنيهات بالإضافة إلي مستلزمات "الطبيخ" الأخري.. وكيلو من الأرز وسلاطة فسوف تنفق في المتوسط ما بين 60 80 جنيهاً يومياً. ونظراً لأنني لا أفهم في أمور التدبير المنزلي أو في أصول "الطبخ"، ولكنني أقوم بالشراء والتمويل فقط.. فيمكنني القول إن الأسرة التي تتناول طعامها المعتاد، تصرف ما بين ألفين إلي ثلاثة آلاف جنيه شهريا. ولكن الغالب الأعم من الشعب لا يتناول وجبات تحتوي علي لحوم أو أسماك أو دواجن يوميا بل أسبوعيا، بل هناك من يحرم أطفاله من كوب اللبن بعد أن وصل الكيلو إلي خمسة جنيهات، وتعتمد الأسر المصرية علي الخضراوات والدهون في طعامها المعتاد ويسمونه باللغة الدارجة "أكل قرديحي". ولكن للأسف حتي وجبة الخضار الخالية من اللحوم أو الطيور أصبحت مكلفة الآن بشكل غير مسبوق بعد ارتفاع أسعار الخضراوات، خاصة البصل والطماطم، وهما القاسم المشترك في أي "طبيخ" وبالطبع أنا لا أتحدث عن أسرة عدد أفرادها كبير من الممكن أن تستهلك "طبيخا" أكثر. ولكن أتكلم عن إنفاق أسرة متوسطة تعيش في حي شعبي أو في قرية وليس عن أسر ميسورة تعيش في احياء راقية. وفي الوقت الذي تعاني فيه الأسواق من نقص في الخضراوات وارتفاع أسعار اللحوم الحمراء والبيضاء والبيض واللبن قرأت إعلانا منشورا لإحدي السلاسل العالمية المعروفة والتي لها فرعا في مصر علي صفحة كاملة في جريدة قومية أسبوعية واسعة الانتشار، به عروض موفرة لمنتجات كثيرة، منها أصناف عديدة من الخضراوات "الحيوية" أي التي لا يستخدم في زراعتها أية مبيدات كيماوية. وعلي سبيل المثال وحسب ما جاء في الإعلان المنشور أن كيلو البصل "الحيوي" يباع بعشرة جنيهات ونصف الجنيه، والطماطم الحيوية بحوالي ستة جنيهات، والخيار ب 25.6 جنيه، والباذنجان ب 5 جنيهات، والموز ب 5.6 جنيه، في الوقت الذي يباع كيلو البرتقال بحوالي 185 قرشاً!، رغم انه "بشاير" وموسمه لم يأت بعد. بل إن كيلو المانجو كان يباع في الموسم الحالي بحوالي 5.2 جنيه في المتوسط في الوقت الذي تباع فيه الطماطم بأقل من نصف كيلو المانجو. ولن أناقش الآن الخلل في التركيب المحصولي بمصر والتركيز علي زراعة الفاكهة، خاصة الكنتالوب والتفاح علي حساب القمح والخضراوات، ولن أكتب عن أن مصر بلد زراعي في الأساس ويخترقها نهر النيل وبها مساحات شاسعة من الصحراء، وقد يكون ذلك في مقال لاحق، ولكنني سأتناول فقط جزئية الخضار الحيوي والفاكهة الحيوية، خاصة إن مصطلح الحيوي بات يطلق علي الأرز وعسل النحل والبقوليات خاصة الفول المدمس والترمس! وبالطبع المنتجات الحيوية تباع بأسعار "خيالية" لأنها خالية من المبيدات والتي يقال إن أنواعا منها تسبب السرطان، ولا أحد يستطيع بالطبع أن يميز المنتج الحيوي من الآخر غير الحيوي، ولا بين الخضروات والفاكهة المهندسة وراثيا ذات الحجم الكبير والشكل الجذاب والتي تحمل في جوفها أمراضا عديدة، فهذا يرجع إلي ما تكتبه المزرعة علي العبوة، وبالطبع تحدد تلك المزارع أسعاراً عالية لأن منتجاتها نظيفة وآمنة وخالية من المبيدات المسرطنة كما تدعي. وأشعر أنه لا يوجد بشكل دقيق في الأسواق لا منتجات حيوية أو حتي مياه معدنية إلا قليلاً وإن الأمر لا يعدو كونه "بيزنس" أحيانا ونصباً أحيانا أخري. [email protected]