اعترف أني لا ألاحق ما يصلني من رءوس الموضوعات التي تصلني من مكتبة الاسكندرية. وتبدو النشرة الاعلامية التي تصلني بشكل شبه يومي من المكتبة بمثابة دليل إلي ما يجب أن يتعرف عليه الانسان بعمق مدروس. ولكن أين هو الوقت الذي يمكن أن نخصصه لمعرفة كل تلك الوسائل لتطوير الحياة؟ حين أفكر في الوقت الذي يجب أن أخصصه لمعرفة كل ألوان المعرفة التي تخرج من مكتبة الاسكندرية، فأنا اتجاهه علي الفور إلي كومة الجرائد اليومية لأضع اشارات علي ما يجب أن اقرأه وألقي الباقي في سلة المهملات، فالعديد والكثير من الحروف المطبوعة فيما يقال عنه الصحف، صار يأخذ الروح ليدهسها في قاع جحيم صغير، مطلوب من القارئ أن يصنعه لنفسه، كأن مهمة بعض الصحف هي اشاعة روح التلوث لا روح إزالة كل البثور عن وجه الحياة. ها أنا ذا أتوقف امام خبر عن مؤتمر أقيم بالمكتبة وموضوعه هو اللغات الحية، حيث تجري حاليا دراسات عن تحويل اللغات الست المعتمدة في الأممالمتحدة كأساس لتحويل حروفها وما تحتويه من ذاكرة مكتوبة إلي صور رقمية يمكن لأي انسان أن يتصفح ما فيها من معلومات بأية لغة من اللغات الست، وطبعا هذه هي بداية، مجرد بداية لتحويل المعلومات في اللغات المعروفة إلي وسيلة تضمن تنقلها من لغة إلي أخري دون أي التباس، فيمكنك أن تقرأ نصا عربيا وقد تمت ترجمته بشكل فوري عبر الانترنت، بدلا من أن تظل الشبكة العنكبوتية اسيرة اللغة الانجليزية وحدها، وهذا يعني ان يتنازل العربي عن لغته إن اراد معرفة ما الجديد في الثقافة أو العلوم الناتجة من أوروبا أو أمريكا، ويشاركه في نفس الاسر الياباني الذي يريد أن يعرف مضمون ما يجري في الكون الثقافي والعلمي. وطبعا لنا أن نعلم أن الكمبيوتر وشبكة الانترنت لا تملك اثناء الترجمة مشاعر بشرية، والكثير من التراث الثقافي في كل بلدان العالم مجود بمزاجه الثقافي المختلف من مجتمع إلي آخر، فالفرنسي لن يشعر بنفس مشاعر الانجليزي. وهو يقرأ شكسبير، والأمريكي لن يفهم عمق المغزي في شعر المتنبي، لأن الترجمة الالكترونية علي الرغم من نبل هدفها إلا أنها لن تحمل رسالة المشاعر. وعلي الرغم من ذلك، فالبحث عن وسيلة لعدم هدر اللغات ووضعها جميعا اسيرة اللغة الانجليزية المعتمدة حتي الان علي الانترنت يضمن حماية المخزون الثقافي بين لغات العالم الأساسية، ويضمن أيضا حماية الثقافات بجذورها، ويهبها قدرة التزاوج مع غيرها من الثقافات دون أن تفقد ثقافة ما شخصيتها ومميزاتها. وكان هذا هو موضوع مؤتمر أخير انعقد بمكتبة الاسكندرية لمدة أيام، لم نقرأ عنه في الصحف مقالا واحدا أو شرحا وافيا لما دار فيه، وكأنه لعبة ميكانيكية تجري بعيدا علي الرغم من أنه خط دفاع أساسي ضد استعمار جديد يتسلل للعقول والقلوب ويعيد تشكيل وجدان البشر علي الرضوخ للغة واحدة بما سيدفع العديد من اللغات إلي الانقراض. ولهذا كله اتمني من اسماعيل سراج الدين أن يؤسس علي الفور قناة تليفزيونية تقدم بشكل متميز مثل تلك المؤتمرات والندوات الدولية والمبادرات الفنية الراقية، لأنه ليس من المعقول أن نعيش أيامنا ونحن نسمع صراخا عن فساد الحياة دون أن نري وجوه وأفكار المقاتلين ضد إذابتنا في بوتقة لغة وحيدة هي اللغة السائدة في الانترنت. من حقنا أن نعلم ما يدور، فإن عجزت وسائل الاعلام المعاصرة عن نقل الافق المعلوماتي والعلمي الذي يدور في مكتبة الاسكندرية فما المانع أن يكون للمكتبة إعلامها الخاص؟