إذا كان الاقتصاد الياباني قد خرج بثبات من المستنقع الذي كان قد أوحل فيه لمدة عشر سنوات أو يزيد فإن الفضل في ذلك يرجع أساسا إلي الشركات اليابانية.. ونظرا لأن تعافي الاقتصاد الياباني الذي بدأ علي استحياء عام 2003 يبدو الاَن راسخا فإن الاقتصاديين يتوقعون أن يبدأ أرباب العائلات قريبا زيادة إنفاقهم للإسهام في دعم النمو الاقتصادي، وذلك بعد سنوات ممتدة من أزمة السيولة وربط الأحزمة.. وإذا ثبت أن التوقعات بزيادة الإنفاق العائلي سابقة لأوانها فإن ذلك قد يضع تعافي الاقتصاد الياباني في مأزق.. ففي فبراير الماضي أطلت أزمة السيولة مرة أخري علي اليابان بعد أن كان الظن أنها اختفت تماما منذ عام كامل. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن رواج الشركات علي الأقل صار أمرا مشهودا فالشركات اليابانية سددت كميات هائلة من الديون التي كانت تكبلها في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.. وقد حدث ذلك لأن الطلب الخارجي علي السلع اليابانية خاصة من الصين قد رفع أرباح الشركات إلي أرقام قياسية في السنوات الأربع الأخيرة.. كذلك فإن الشركات وظفت جزءا كبيرا من أرباحها في عمليات الاستثمار من أجل إحلال وتجديد اَلات المصانع وتحديث عمليات الإنتاج والإدارة عن طريق أجهزة الكمبيوتر.. وحتي المباني نالها هي الأخري كثير من التجديد. وفي أحدث بحث أعده البنك المركزي الياباني عن أحوال الشركات يتضح أن زيادة الإنفاق الرأسمالي تنتشر الاَن من الشركات الكبيرة إلي الشركات الأصغر ومن شركات الصناعات التحويلية إلي شركات الخدمات.. ولكن هذه الدفعة التي تقدمها الشركات سوف تنتهي اَجلا أو عاجلا.. كما أن أحوال الاقتصاد الأمريكي تقلق المصدرين اليابانيين وفي مقدمتهم صناع السيارات. وبجانب ذلك فإن الحكومة اليابانية صارت راغبة في التخلص من العجز المالي الضخم الذي تكابده وهذا كله سيؤثر علي الطلب سلبيا ومن هنا أصبحت الأنظار معلقة علي المستهلكين اليابانيين لزيادة إنفاقهم من أجل زيادة الطلب. والشيء الغريب هو أن الاستهلاك العائلي لم يزد بعد علي الرغم من أن الشركات توظف المزيد من العمالة.. فالبطالة تراجعت لتصبح 4% فقط والشركات تتسابق علي توظيف الخريجين الجدد وهو أمر لم يكن يحدث منذ سنوات قليلة.. ولكن جمود الاستهلاك العائلي علي أية حال يمكن إرجاعه إلي جمود مستوي الأجور بل تراجعها أيضا فالمتوسط النقدي لأجر العامل قد تراجع في شهري يناير وفبراير 2007 بنسبة 1.1% إذا قورن بما كان عليه في نفس الفترة من عام 2006.. فالعولمة والتقدم التكنولوجي يمثلان ضغوطا تؤدي إلي انخفاض الأجور.. وهناك أيضا تفسيرات أخري لهذه الظاهرة حيث تنتقل فرص العمل حاليا من الصناعات عالية الأجر إلي الخدمات ذات الأجر المتدني والشباب الذي يحل محل من بلغوا سن المعاش لا يحصلون علي نفس الأجور العالية التي يحصل عليها كبار السن وأصحاب الخبرة. ولكن الظروف صارت مهيأة الاَن كما تقول مجلة "الإيكونوميست" لزيادة الأجور وبالتالي زيادة الاستهلاك العائلي.. فاتجاه البطالة إلي مزيد من الانخفاض سيجعل من الممكن العودة إلي المطالبة بزيادة الأجور. ويري خبراء بنك الاستثمار جولدمان ساكس أن ذلك سيحدث عندما يصبح معدل البطالة ما بين 5.2 و5.3% وهو معدل سيحدث مع نهاية العام الحالي وإذا كان كثير من المتوظفين الاَن هم ممن كانوا لا يجدون عملا في السنوات السابقة وهو الأمر الذي يجعلهم من العمالة المدجنة فإن الأمل معقود علي العمال الشباب للمطالبة بزيادة الأجور. وأكثر من ذلك فإن الشركات اليابانية عادت اعتبارا من عام 2005 إلي توظيف المزيد من العمالة الدائمة بدلا من العمالة المؤقتة.. وأجور العمال الدائمين عادة أكبر من أجور المؤقتين فهم يحصلون بجانب الأجر علي حوافز سنوية لا تقل عن 20% من الأجر السنوي بل إن هذه الحوافز ذاتها اَخذة في الزيادة. وحتي علي مستوي أصحاب المعاشات فإن الشركات اليابانية ستزيد ما تدفعه للمتقاعدين الجدد من 10 تريليونات ين "84 مليار دولار" في العام الماضي لتصبح 5.13 تريليون ين "4.113 مليار دولار" في العام الجديد الذي بدأ هذا الشهر "ابريل" وهذا كفيل بزيادة الاستهلاك العائلي بنسبة 3.0%. ونستطيع القول في النهاية إن انخفاض الأسعار في فبراير 2007 لم يكن كبيرا فهو لم يتجاوز 1.0% وهو مبرر بأسباب عديدة كلها أسباب مؤقتة أي إنه انخفاض لن يدوم وبالتالي ليس من المرجح أن يعود الاقتصاد الياباني إلي الركود وأزمة السيولة خصوصا إذا صدقت توقعات الاقتصاديين وبدأ الاستهلاك العائلي في الزيادة.