تحقيق: محمود مقلد مني البديوي أثار إعلان رئيس الوزراء بتحويل هيئة التأمين الصحي إلي شركة قابضة العديد من الجدل فبينما اعتبرته الحكومة وسيلة لتطوير أداء التأمين.. اعتبره المعارضون استكمالا لسياسة الحكومة الهادفة لخصخصة التأمين الصحي اسوة بما حدث مع معظم شركات القطاع العام. تركزت مخاوف المعارضين في الخبرات السلبية السابقة والتي نتجت عن خصخصة قطاعات استراتيجية في الدولة، والتي كان آخرها الحديث عن امصال للتطعيم منتهية الصلاحية نسبت إلي إحدي الشركات التي تحول إليها إدارة هيئة المصل واللقاح في إطار سياسات التكيف الهيكلي وهو الحديث المرتبط بظهور أمراض وبائية كالحصبة الألماني وينذر بمخاطر أمراض أخري كالدرن وشلل الأطفال، بالإضافة إلي المشكلات التي أثيرت أخيراً حول الغش في صناعة الألبان ومنها ألبان الأطفال والتي كان أبطالها شركات من القطاع الخاص والمستهدف اسناد إدارة التأمين الصحي إليها. وبجانب الأسباب السابقة انتقد المعارضون ارتباط مشروع التأمين الصحي، وهو مشروع تكافلي بين أعضائه المشتركين فيه، بسياسات الدولة المتغيرة وهو ما أدي إلي العديد من المشكلات للتأمين الصحي انتهت إلي تطبيق الاتجاه الاقتصادي للدولة والرامي إلي تحرير السوق السلعي في مصر علي مشروع التأمين الصحي بصرف النظر عن طبيعة ما يستهدفه هذا المشروع والذي يرتبط بصحة المصريين، كما تناولت الاعتراضات تجاهل الدولة لمصالح وآراء المنتفعين بالتأمين الصحي. وفي الوقت الذي أعلن فيه رئيس الوزراء قراره أعلن الدكتور سعيد راتب رئيس هيئة التأمين الصحي أنه ليست هناك أية نية لوضع سياسة جديدة للتأمين الصحي بعيدة عن آراء المنتفعين ونفي أي نية لخصخصة ممتلكات التأمين الصحي. ورغم السرية التي اتخذ بها رئيس الوزراء قراره، إلا أن القرار لم يكن مفاجأة للمتابعين حيث كان الدكتور حاتم الجبلي وزير الصحة والسكان المصري قد توج كل خطوات الحكومة المصرية في السنوات الأخيرة تجاه قانون التأمين الصحي بإعلان في شرم الشيخ في أبريل عام 1996 عن نية الحكومة تطبيق قانون جديد للتأمين الصحي يعتمد في الأساس علي توسيع دور القطاع الخاص والقطاع الأهلي وتقليص دور وزارة الصحة المالكة لكل منشآت التأمين الصحي منذ إعلانه في الستينيات من القرن الماضي، كما أعلن الجبلي عن نية إعادة هيكلة سياسة هيئة التأمين الصحي في مصر بحيث يتم فصل جهة التمويل عن جهات تقديم الخدمة والتي ستعتمد بالأساس علي القطاع الخاص، واستند الجبلي في إعلانه علي السلبيات الكثيرة التي شهدها التأمين الصحي في السنوات الأخيرة، وعلي الخسائر الفادحة التي مني بها. اعتبر المعارضون لهذا النظام، أن هذا الإعلان هو تلخيص لنية الدولة وتطبيق سياسة الخصخصة علي الخدمات الصحية في مصر، اسوة بما حدث في جميع القطاعات الاقتصادية في مصر، واتهم المعارضون الحكومة المصرية بتجاهل طبيعة نظام التأمين الصحي باعتباره استثمارا اجتماعيا وليس نشاطا اقتصاديا. يقود حركة المعارضة ضد السياسة الحكومية الجديدة للتأمين الصحي الدكتور عبد المنعم عبيد أستاذ التخدير بجامعة القاهرة وعضو لجنة الصحة بالمجالس القومية المتخصصة وشقيق الدكتور عاطف عبيد رئيس وزراء مصر الأسبق، والذي استند في معارضته علي أن الحكومة المصرية هي المسئولة عن مشكلات التأمين الصحي في مصر بعد أن اثقلته بالأعباء طوال أربعين عاما دون أي داع حيث قبلت في منتصف السبعينيات أن تقلل من اشتراكات موظفي الدولة وامتنعت عن دفع نصيبها في علاج الموظفين بعد إصدار قانون اسموه "القانون 32 لسنة 75" وبذلك فقد التأمين جزءا كبيرا من تمويله، كذلك ادخلت الدولة ما يقرب من 17 مليون تلميذ تحت مظلة التأمين دون أن تتقاضي من وزارة التربية والتعليم حصتها عن التأمين علي الطلاب، ويشير عبيد إلي أن المنتفعين بمظلة التأمين الصحي في مصر يمثلون 52% من الشعب المصري وتتكلف رعايتهم 2.2 مليار جنيه سنويا في حين يصل معدل الانفاق الصحي علي كل الشعب المصري إلي 27 مليار جنيه سنويا وهو ما يشير إلي تعمد محاصرة نظام التأمين الصحي الحالي وتقليل خدماته بهدف تسهيل تسليمه للقطاع الخاص واخضاعه لقوانين السوق. وفي دراسة لجمعية التنمية الصحية والبيئية وهي إحدي الجمعيات الأهلية المعارضة للسياسة الصحية الرسمية أشارت إلي أنه تم تزوير العجز لنظام التأمين الصحي لأسباب سياسية فعمر التأمين الصحي في مصر اثنان وأربعون عاما "1964 2006" وما يتم إخفاؤه هو حقيقة وجود فائض مالي في التأمين الصحي طوال الثلاثين عاما الأولي من عمره. ومازالت الساحة الصحية والسياسية في مصر تشهد صراعا حول هذا المشروع الحيوي والذي يختص بصحة المصريين ما بين رافضين للسياسات الجديدة وما بين مؤيدين.. وبصرف النظر عما سيؤول إليه الصراع إلا أن الحقيقة الواضحة أن هذا الخلاف ذا الأبعاد السياسية والاقتصادية يدور بعيدا عن دائرة مشاركة واهت