تشير احصاءات صادرة عن منظمة الاممالمتحدة ان مايقرب من 50% من الاطباء و23% من المهندسين و15% من العلماء من مجموع الكفاءات العربية المتخرجة يهاجرون متوجهين الي اوروبا وكندا والولاياتالمتحدة بوجه خاص وتستقطب ثلاث دولة عربية غنية هي الولاياتالمتحدة وكندا وبريطانيا 75% من المهاجرين العرب. واعتبرت الدراسات ان مستوي الانفاق علي البحث العلمي والتقني في الوطن العربي يبلغ درجة متدنية مقارنة بما عليه الحال في بقية دول العالم موضحة ان الانفاق السنوي للدول العربية علي البحث العلمي لايتجاوز 2% من اجمالي الموازنات العربية وذلك حسب احصاءات جامعة الدول العربية ومنظمة العمل العربي في حين تبلغ في اسرائيل 2،6% في الموازنة السنوية وذلك مقارنة بما تنفق امريكا 3،6% والسويد 3،8%. وخلال العقدين الاخيرين من القرن الماضي زادت اهمية قضية الهجرة الدولية بصورة كبيرة بين الدول الغنية التي تجذب المهاجرين والدول الفقيرة المصدرة لهم وللقضية ابعاد كثيرة حيث ترتبط بالعديد من الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية العالمية سوء الاحوال السياسية والاقتصادية في بعض الدول يدفع الافراد للهجرة من الدول العربية الي الدول المتقدمة كالولاياتالمتحدة واوروبا وتعتبر الولاياتالمتحدة من اكثر الدول المتقدمة في العالم التي تتيح الفرص لاصحاب الكفاءات والعقول المتميزة حيث توفر امكانات البحث العلمي سواء فيما يتعلق بالمناخ العلمي السائد او الامكانات المادية من معامل ومختبرات وتمويل وفرق عمل بحثي متكاملة وكذلك وجود مئات الجامعات التي تحفز الابداع العلمي بالاضافة الي عوامل الجزب والمغريات التي يمثلها توافد الموارد المالية من الحكومة ومؤسسات الاعمال الخاصة. كما ان توفير فرص عمل مهمة ومجزية علاوة الي اتاحة الفرص لاصحاب الخبرات في مجال البحث العلمي والتجارب التي تثبت كفاءاتهم وتطورها تفتح امامهم افاقا جديدة اوسع واكثر عطاء وتعطي لهم حافزا علي الاستقرار والانخراط في المجتمع. وللاستقرار السياسي والديمقراطية اثر كبير في نفس اي صاحب خبرة مما يهيئانه من مناخ مناسب للابداع والتقدم وتعد الولاياتالمتحدة ارضية مناسبة لتوفير مثل هذا المناخ للعديد من الكفاءات العربية وتقوم بعض الشركات ومراكز الابحاث بتقديم طلبات للسلطات الحكومية المعنية بتوسيع برامج منح تأشيرات الهجرة للعمالة الماهرة للاستقرار في الولاياتالمتحدة ولذلك تبدو الولاياتالمتحدة دولة العقول ومراكز الابحاث المختلفة الاكبر في العالم. ولايمكن في تقديري مهما حسنت النوايا احكمت الخطط ان تنجح مجهودات التنمية العربية اذا ظل نظام التعليم المعمول به قائما بغير تبديل اساسي فيه فهذا النظام هو باختصار مضاد للتنمية ويعكس الوضع التعليمي في العالم العربي حقائق مؤسفة فلاتزال هناك نسبة كبيرة تجهل القراءة والكتابة بعد نصف قرن من الحديث عن محو الامية والتعليم الرسمي يحل في الواقع محل التدريب الذي كان يتلقاه ابناء الزراع وابناء الحرفيين عن آبائهم وبدلا من ان يؤهلهم هذا التعليم الي اتقان افضل لحرفة او اكتساب اسرع لمهارة تؤهلهم كل مدرسة علي احسن العروض لدخول مدرسة اخري حتي يصلوا بعشرات الالاف الي الجامعات بصرف النظر عن قدراتهم الذهنية وعلي حساب التخصصات الفنية والمهنية التي يحتاج اليها المجتمع في الريف تأتي مناهج المدارس غريبة عن بيئة الفلاحين فتجعل ابناءهم غرباء عنهم كل املهم ان يهجروهم الي المدينة وفي المدينة لاتوجد لاكثر الحرف والمهن مدارس متخصصة وتنتشر المدارس الاكاديمية التي لا تؤهل لشيء بالذات وفي الحالتين يقوم التعليم علي التلقين الذي يلغي العقل ويرسخ الارهاب الفكري. ونظام مثل هذا شأنه هو بلا شك قيد خطير علي مجهودات التنمية ومعوق لتكوين المهارات والكوادر اللازمة للتطور ولابد من التوسع الكبير في التعيم الفني والحرفي بحيث يصبح هو الاصل في نظام التعليم العام والاقتصار في قبول طلاب الثانوي العامة علي الاعداد التي يمكن قبولها في الكليات الجامعية المتخصصة طبقا للقدرات الحقيقية لهذه الكليات ولحاجات الاقتصاد القومي ولابد من ربط المدرسة الفنية بالبيئة وبوظيفة انتاجية محددة بحيث تكون في نفس الوقت مزرعة او مصنعا ويدرس التلميذ ثم يعمل في المدرسة تحت اشراف علمي ليخرج بعد ذلك وقد اكتسب مهارة لازمة للتنمية كما لابد ان يكون اساس العملية التعليمية في المدارس هو اجراء البحوث وتنمية المواهب وروح الفريق وليس الحفظ والتلقين. ومع التزاحم الشديد علي دخول الجامعات تتبع انظمة سخيفة للقبول فيها ادت في حالات كثيرة الي تكالب انبغ الطلاب علي كليات مثل الطب وتوجه اكثرهم كسلا واقلهم ذكاء الي كليات الفكر والاقتصاد والقانون والامتحان دائما وسيلة لاختبار الذاكرة دون الاهتمام بالبحث العلمي والابداع في مجال التخصص والجامعات المصرية التي كانت المصدر الرئيسي لكثير من الخريجين النابهين اصبحت طوفانا من البشر وهجرها اكثر النابغين من اساتذتها تحت اغراء الوظائف المجزية وفرص الابداع في الخارج ومن شأن ذلك كله ان يؤدي بالضرورة الي تخريج اشباه متخصصين بل وفي بعض الاحيان اشتاه متعلمين تلقي بهم الي الوظائف دون تفرقة وبصرف النظر احيانا عن مجالات التخصص مما يقتل لديهم الرغبة في الانتاج. وقد قدرت احصاءات اجرتها جامعة الدول العربية ومنظمة العمل العربية مؤخرا حجم الخسائر العربية من هجرة العقول للخارج بما لايقل عن 200 مليار دولار سنويا بسبب ضغف الاهتمام بالبحث العلمي كما اشارات احصائيات اخري الي ان حوالي 54% من الطلاب العرب الذين يدرسون بالخارج لايعودون الي بلدانهم وفي رأيي ان ذلك يرجع الي عدة اسباب لعل اهمها بل وعلي رأسها عدم تقدير العلم والعلماء في معظم الدول العربية وعدم وجود المناخ الملائم للبحث العلمي والعجز عن ايجاد عمل مناسب لاختصاصاتهم العلمية الي جانب عدم ثقة بعض الدول العربية في اصحاب الاختراعات والافكار غير التقليدية وتخلف النظم التربوية والبطالة العلمية وانعدام توازن النظام والتعليمي وفقدان الارتباط بين انظمة التعليم ومشاريع التنمية والبحوث العلمية. كذلك انخفاض مستوي المعيشة وضعف الدخل المادي لاصحاب الكفاءات العلمية الذي يضمن لهم حياة كريمة ويؤمن مستقبل ابنائهم هذا بالاضافة الي انعدام الاستقرار السياسي والاجتماعي بالاضافة الي اختفاء الديمقراطية العربية التي تؤدي الي شعور اصحاب العقول والخبرات بالغربة في اوطانهم مما يدفعهم الي الهجرة سعيا وراء ظروف اكثر حرية واستقرارا. ويبقي السؤال.. كيف يمكن وقف نزيف العقول العربية؟ الاجابة تكمن في رفع القيود والحواجز عن الدراسات والافكار والبحوث والنتائج وتأليف المحاضرات واستعمال مختلف وسائل التطور الحديثة واحترام الحريات الاكاديمية والعلمية واعطاء اعضاء الهيئات العلمية والاكاديمية حرية التعبير وتوفير الامكانات اللازمة للوصول الي مختلف علوم المعرفة ومنح اصحاب الكفاءات اجورا وحوافز مالية تليق بمقامهم واعمالهم وتقديم الخدمات اللازمة لقيامهم بأعمالهم بصورة منظمة وفعالة. ويجب ان يستكمل ذلك كله ببرامج مدروسة لنشر اكبر قدر من المعلومات المفيدة ومن الثقافة عن طريق اجهزة الاعلام العربية وابراز دور هؤلاء العلماء والباحثين بدلا من الدور الذي تقوم به الكثير منها في دعم الخرافات ونشر الفن الرخيص والمبتذل ويبقي مادون ذلك من اصلاحات نقشا علي الماء. EMAIL. HASSAN SALAH [email protected]