تبدو خطورة ظاهرة هجرة العقول العربية واضحة في التقارير الصادرة عن الجامعة العربية ومؤسسة العمل العربية والأمم المتحدة والتي تشير إلي أرقام ووقائع تؤكد خطورة الظاهرة. تؤكد التقارير أن امريكا وأوروبا تضم 450 ألف مهاجر عربي من حملة الشهادات العليا وأن 34% من الاطباء الاكفاء في بريطانيا ينتمون إلي الجاليات العربية كما أن مصر وحدها قدمت 60% من العلماء العرب والمهندسين الموجودين في افريقيا. هذا وقد اظهر تقرير حديث للجامعة العربية أن الدول العربية تنفق دولارا واحدا علي الفرد في مجال البحث العلمي بينما تنفق الولاياتالمتحدة 700 دولار لكل مواطن والدول الأوروبية حوالي "600 دولار" وأن كل مليون عربي يقابلهم "318" باحثا علميا بينما النسبة تصل في العالم الغربي إلي "4500" باحث لكل مليون شخص. ويذكر تقرير رسمي حول العمالة العربية المهاجرة أعدته مؤسسة العمل العربية وجري توزيعه علي وزراء العمل العرب ان عدد حملة الشهادات العليا فقط من العرب المهاجرين إلي أمريكا وأوروبا يبلغ "450 ألف" عربي مما يعني أن هذه الدول توفر مليارات الدولارات نتيجة لهجرة العقول والمهارات إليها وإذا لم تتعب هذه الدول لتنشئة وتدريب هذه العقول فيما تحمل الوطن العربي كلفة تنشئتها وتدريبها وهكذا يذهب إنتاج هذه العقول الجاهزة ليصب مباشرة في اثراء البلدان المتقدمة ودفع مسيرة التقدم والتنمية فيها فيما يخسر الوطن العربي ما أنفقه ويخسر فرص النهوض التنموي والاقتصادي التي كان يمكن أن تسهم هذه العقول في ايجادها. أسباب الهجرة تتعدد الأسباب التي تدفع الادمغة العربية إلي الهجرة، فمنها ما يتصل بعوامل داخلية ومنها ما يعود لأسباب تتعلق بالثورة التكنولوجية والتقدم العلمي الذي لايزال الغرب يمثل حقله الفعلي. في العوامل الداخلية يتصدر عدم توافر فرص العمل المتاحة للتخصص الذي تم تحصيله ولا تبدو الدول العربية معنية بالإفادة من الاختصاصات العلمية وتأمين مجالات عمل لأصحابها فيجد الخريجون انفسهم ضحايا البطالة مما يضطرهم إلي تأمين لقمة عيشهم في أعمال لا تتناسب ومستوي تحصيلهم العلمي. فيتولد نتيجة هذا الوضع شعور واسع بالاحباط واليأس لدي هذه الكفاءات ويصبح لقرار الهجرة مسوغاته الذاتية والموضوعية التي تصيب كثيرين من الذين يصرون علي البقاء في بلادهم مرارة عندما يلمسون مدي اهمال الدولة ومؤسساتها وكذلك القطاع الخاص لمؤهلاته العلمية وضرورة الافادة منها أو عندما يرون كيف تتم الاستعانة بخبراء اجانب لقضايا تتوافر فيها الكفاءات اللازمة محليا ويزيد من سوء الوضع ضعف وجود مراكز البحث العلمي حيث يستحيل معه الافادة من الابحاث العلمية وتوظيفها في خدمة المجتمع فتتحول الاختصاصات العلمية التطبيقية إلي اختصاصات نظرية تنعكس علي العالم والباحث وتؤدي إلي تراجع مستواه العلمي وعدم امكانية تطوير قدراته المصرفية ويتصل بهذا الموضوع مباشرة عدم وصول المجتمع العربي إلي مرحلة يرتبط فيها النشاط العلمي والتكولوجي بحاجات المجتمع. وإلي جانب هذه العوامل الداخلي يشكل التطور العلمي والتكنولوجيا وثورة الاتصالات التي تشهدها البلدان المتقدمة عنصرا جاذبا لأًصحاب الاختيصاصات في التكنولوجيا العالية حيث تقدم المجتمعات الغربية بخاصة مراكز أبحاثها إغراءات مادية وحياتية لعلماء كثيرين برعوا في هذه المجالات وهو ما يعني استحالة عودة هذه الكفاءات لاحقا إلي موطنها بعد تخرجها لمعرفتها وادراكها صعوبة الافادة مما حصلته من هذه العلوم. 200 مليار دولار خسائر يشير احد تقارير منظمة العمل العربية إلي أن الدول العربية تتكبد خسائر سنوية لا تقل من "200 مليار دولار" بسبب هجرة العقول إلي الخارج حيث تقترن هذه الارقام بخسائر كبيرة نجمت عن تأهيل هذه العقول ودفع كلفة تعليمها داخل أوطانها. مما يؤكد أن الدول العربية ومعها سائر الدول النامية تقدم مساعدات إلي البلدان المتقدمة عبر تأهيلها لهذه الكفاءات ثم تصديرها إلي البلدان المتقدمة لتستفيد من خبراتها العلمية. والاخطر من كل هذه الأرقام النتيجة التي أبرزها "ريفين برينر" الاستاذ في جامعة ماكجيل الكندية والتي ذكرها في كتابه "القرن الحالي" إذ يقول: "في ظل اقتصاد العولمة سيذهب البشر والأموال إلي حيث يمكنهم أن يكونوا مفيدين ومربحين، ففي كل عام يهاجر نحو "1.8 مليون" من المتعلمين ذوي المهارات والخبرات من العالم الاسلامي إلي الغرب. فإذا افترضنا ان تعليم احد هؤلاء المهاجرين يكلف في المتوسط عشرة الاف دولار فرن ذلك يعني تحويل "18 مليار دولار" من الاقطار الاسلامية إلي الولاياتالمتحدة وأوروبا كل عام وإذا راكمنا هذا المبلغ نظريا علي مدي عدة سنوات يصبح مفهوما أكثر لماذا تزداد الدول الغنية غني والفقيرة فقرا.