لقد أصبح من المسلم به عالميا ادراك أهمية العلاقة العضوية الوثيقة بين تحرير الاقتصاد والتجارة والتنمية والديمقراطية مما يعني أن التنمية الاقتصادية لا يمكن أن تكتسب قدرات تنافسية أو تزدهر في مناخ منغلق اقتصاديا أو سياسيا فالتأكيد علي تبني قواعد الشفافية والمساءلة وتحسين حاكمية المصالح الحكومية والشركات ينطبق علي العملية الاقتصادية كما ينطبق علي العملية السياسية وبالمثل فإن توفير بيئة قانونية وإدارية ومالية وقضائية نزيهة وعادلة ومستقلة أمر تقتضيه أسس النظام الديمقراطي ومبادئ منظمة التجارة العالمية علي حد سواء. إن أفضل السبل لإحداث النهضة في المجتمع المصري هي السير علي نظام "السوق الديمقراطي" والذي يرتكز علي معادلة الدولة الرشيدة والسوق الناضجة وهي الوسيلة المثلي لصنع التنمية الاقتصادية والاجتماعية وذلك انطلاقا من أن التنمية هي عمل ارادي وليست عملية تلقائية بل هي عملية ايجابية تهدف الي النهوض بقدرات المجتمع فإذا كان النمو يتحقق من المصادر الثلاثة المعروفة وهي تراكم رأس المال المادي والبشري وكفاءة تخصيص الموارد بين قطاعات المجتمع ورفع مستوي الانتاجية فإن ذلك لن يتحقق إلا عبر تحديد واضح للأدوار بين القطاع الخاص والدولة. والحكومة في عالم متغير ومتعولم عليها عدة أدوار أساسية ورئيسية منها ضمان كفاءة آلية السوق بما يعنيه ذلك من توفير الظروف التي تجعل تفاعل العرض والطلب يتم في إطار حقيقي مع ضمان التخطيط الاستثماري السليم عن طريق توفير البيانات والمعلو مات الأساسية عن القطاعات الاقتصادية بالمجتمع وذلك بالشكل الذي يمكن الجميع من اجراء دراسات الجدوي السليمة والصحيحة وكذلك توفير المناخ الاستثماري الجيد عن طريق اصلاح التشريعات القانونية والإدارية ووضع القوانين موضع التنفيذ وهذا يعني ببساطة إيجاد بيئة تنافسية تدفع للمزيد من الكفاءة في الانتاج مع ضمان عدالة التوزيع لثمار النمو ففي ثورة العولمة أصبحت الدول الآن تتنافس لتحقيق التنمية والسيطرة علي أسواق الصادرات والاستثمارات الاجنبية وتتنافس ايضا في التعليم والانتاجية ولا شك ان النجاح في هذه البيئة التنافسية يولد النمو والثراء وقبل الحرب العالمية الثانية النمو الذاتي لكل دولة هو الاكثر شيوعا والاكثر جدوي ولكن الآن ومع اندماج الاسواق عالميا اصبح التنافس بين الدول هو الاكثر انتشارا. وعلي نحو اجمالي فإن هذه السياسات الاقتصادية تشكل ما يسمي بالاستراتيجية القومية. وهذا السعي لوضع استراتيجية قومية من خلال تنظيم الدولة هو الذي يبني اقتصادا قوميا منافسا وينقل الدول إما إلي مصاف الدول المتقدمة أو ينحدر بها الي مرتبة الاقل نموا وهناك عدة عناصر لبناء الاقتصاد المنافس هي: 1- الاستراتيجية القومية: وتتكون الاستراتيجية القومية من مجموعة من الأهداف الاقتصادية والسياسات المنفذة لها ولتنفيذ هذه الاهداف يجب علي كل حكومة ان تتبني سياسات دقيقة وفعالة وعلي أقل تقدير يجب أن تتضمن هذه السياسات الخيارات التي تدعم الاقتصاد الكلي وتشير التجارب الدولية الناجحة في صياغة الاستراتيجيات القومية الي ان اناطة مسئولية وضع الاستراتيجية في الدولة لجهة مستقلة عن الجهاز التنفيذي يعهد اليها بمهمة صياغة الاستراتيجيات الاقتصادية الشاملة ووضع الخطط التفصيلية التي تحدد بوضوح ودقة دور ومهام مختلف الاجهزة التنفيذية لا تحقق فقط تناغم وتضافر جهود تلك الاجهزة بل وتضمن أن تكون الخطط الاقتصادية مبنية علي رؤية شاملة للتحديات الاقتصادية وهي تأخذ في الاعتبار جميع الخيارات المتاحة وتؤكد التجربة السنغافورية في اتباع هذا الاسلوب علي أنها تعتبر الابرز علي مستوي العالم حيث استطاعت من خلاله تلك الجزيرة الصغيرة ان تنقل اقتصادها من اقتصاد متدني الاداء الي ان يصبح واحدا من اكثر الاقتصادات العالمية تطورا وكفاءة فعند حصول سنغافورة علي استقلالها في عام 1959 كان سكانها يعانون من فقر شديد ومعدلات عالية من البطالة ومستوي متدن من التعليم ولتجاوز هذه المشكلات رأت الحكومة السنغافورية ضرورة وضع استراتيجية تحقق تحولا سريعا نحو التصنيع وكان من أهم ما قامت به هو إنشاء مجلس التنمية الاقتصادية عام 1961 ليصبح الجهاز الحكومي المناط به وضع ومتابعة تطبيق استراتيجيات تطوير الاقتصاد السنغافوري وأعطي صلاحيات واسعة لاتخاذ كل ما يلزم لتشجيع التصنيع وانشاء المجمعات الصناعية وإدارتها ولقد حقق هذا الأسلوب لسنغافورة وهي الدولة التي لا تمتلك أي موارد طبيعية وكانت تعاني من مشكلات اقتصادية مستعصية نموا اقتصاديا بسرعة هائلة فبين عامي 1960 و2002 تضاعف حجم الناتج المحلي الاجمالي السنغافوري 40 مرة بحيث وصل عام 2002 الي 86.8 مليار دولار امريكي مقارنة بنحو 2.1 مليار دولار فقط في عام 1960 وأن يصبح معدل نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي في سنغافورة واحدا من أعلي المعدلات في العالم حاليا حيث يزيد علي 20 ألف دولار سنويا مقارنة ب435 دولارا فقط عام 1960.