للمرة الثانية خلال عام واحد يقوم الرئيس الصيني هوجنتاو بزيارة واسعة للقارة الافريقية شملت ثماني دول منها السودان وجنوب افريقيا وزامبيا وناميبيا وقعت في خلالها اتفاقيات تجارية والقيام بمشروعات كثيرة مشتركة بين الصين وتلك البلدان. وكان رئيس الوزراء الصيني قد قام في العام الماضي بزيارة لأكثر من عشر دول افريقية حيث تقوم الصين بتقديم مساعدات مادية وعملية الي الدول الافريقية ابتداء من البحث عن البترول وصناعات التعدين وحتي إقامة السدود المائية وتربية الكوادر البشرية واستكمال البنية الأساسية واسقاط الديون عن 20 دولة افريقية تصنف بأنها الأشد فقرا في العالم كذلك فتح السوق الصيني أمام المنتجات الافريقية. وكان هناك المنتدي الصيني الافريقي الثالث الذي عقد في بكين في أواخر العام الماضي والذي حضره حوالي أربعين من الرؤساء والقادة الافارقة واثار ردود فعل عالمية واسعة وهو المنتدي الذي أنشئ سنة 2000 وذلك لدعم التفاهم والتعاون بين الدول الأفريقية والصين ويعقد كل ثلاث سنوات وكان اجتماعه الأول في بكين ثم في أديس أبابا ومن المنتظر ان يعقد في القاهرة سنة 2009. وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين وافريقيا سنة 2005 (40 مليار دولار) ومن المنتظر أن يصل الي 60 مليار دولار في العام القادم علما بأنه لم يكن يتجاوز ال10 مليارات دولار سنة 2000 اي انه تضاعف أربع مرات في السنوات الخمس الماضية. وقد اثار هذا النشاط الصيني المكثف في افريقيا الاوساط الاوروبية والامريكية بشكل خاص وخرجت مؤخرا العديد من الدراسات والمقالات التي تحذر مما اسمته بمخاطر الاستراتيجية الصينية في افريقيا والتي تلاقي نجاحا واسعا في مواجهة السياسات الأمريكية والغربية في القارة السمراء. وفي دراسة لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكية نشرت الصحف الأمريكية اجزاء منها تقول ان الصين قد ضاعفت من تجارتها وتعاونها الاقتصادي مع الدول الافريقية في السنوات الأربع الماضية ثلاث مرات الأمر الذي احتلت فيه الصين المركز الثالث في الاستثمار بافريقيا بعد الولاياتالمتحدة واوروبا وربما تضعها الاحصائيات في القريب العاجل في الموقع الأول. وتؤكد الدراسة ان العديد من القادة الأفارقة ينظرون الي الصين باعتبارها النموذج الاقرب والملاءم للتطور والتنمية والقابل للتطبيق في بلادهم حيث تركز الصين في علاقتها الافريقية علي المشروعات المتعلقة بالبنية الأساسية والاتصالات والتنمية الزراعية والمشروعات المشتركة التي تتعلق باستخراج البترول والمناجم. وترفع الصين شعار تعاون بلا حدود وبلا شروط، الأمر الذي جعل كثيرا من القادة الافارقة يجرون المقارنات الطبيعية مع المساعدات الأمريكية والمشروعات الاوروبية والتي غالبا ما ترتبط بشروط واجراءات اقتصادية واجتماعية واحيانا سياسية. وقد حذرت دراسة قامت بها كاتبة امريكية تعمل مديرا لمركز الدراسات الآسيوية واخري عضو في مجلس العلاقات الخارجية الامريكية من التواجد المكثف للصين في افريقيا والذي يكسب كل يوم أرضا جديدة حتي أصبحت هي الشريك الأول لعدد من الدول الافريقية واشارت الدراسة بشكل خاص الي الشعار الذي رفعه الرئيس الصيني هوجنتاو في زياراته الأخيرة لبعض الدول الافريقية وهو التعاون علي أساس المساواة والعدالة والثقة المتبادلة والقدرة علي مواجهة المشاكل الحقيقية. وفي دراسة اخري قام بها مركز الدراسات الآسيوية في جنيف تشير الي ان غالبية القادة الافارقة معجبون بالنموذج الصيني وهم يعرفون جيدا ان الصين كانت والي وقت قريب دولة نامية ولكنها استطاعت ان تحقق تنمية شاملة تضاعفت ثماني مرات في تلك العقود الثلاثة الماضية وبعيدا عن توليفة البنك الدولي وصندوق التنمية وشروطها فيما يسمي بالاصلاح الاقتصادي القائم علي الخصخصة الواسعة لوسائل الانتاج وفتح الاسواق بلا حدود والتي أدت في كثير من تلك الدول الي المزيد من الفقر واتساع الهوة بين الاغنياء الذين يمثلون شريحة ضيقة وصغيرة وبين جماهير الفقراء والمعوزين. ويلخص احد القادة الافارقة الفارق الأساسي بين النموذج الامريكي والنموذج الصيني بان الأول عني بتقديم التوجيهات ثم فرض العقوبات وارسال الصواريخ بينما يقدم النموذج الصيني حلولا عملية لكثير من مشاكل المجتمعات الافريقية في تواضع غير مشروط. ويضرب هذا القائد الافريقي مثلا في سياسة محاربة الفقر في افريقيا وبينما تقدم امريكا المعونات والمساعدات المشروطة ممثلا في فائض الغذاء ومرتبطا ايضا بفائض السلاح فان الصين تشتبك مباشرة مع الواقع الافريقي من خلال اقامة مشروعات حيوية مشتركة اي ان امريكا تقدم الغذاء الذي يكفي شهرا أو سنة بينما تقدم الصين الوسائل التي تضمن توافر الغذاء وبشكل دائم ومتصل. وتذهب الدراسة التي قام بها مركز الدراسات الافريقية والآسيوية في جنيف وبعد زيارات ميدنية لأكثر من 18 دولة افريقية انه قد ساعد النموذج الصيني فشل الأسس التي قامت عليها برامج البنك الدولي وصندوق التنمية التي لم تضع في اعتبارها الظروف الخاصة بالمجتمعات الافريقية ودرجة نموها وتطورها الامر الذي ادي الي كارثة في العديد من الدول الافريقية. وتقدم الدراسة في النهاية تلخيصا لما اسمته بالمنهج الصيني في العلاقات مع افريقيا الذي يعتمد علي عدد من المحاور اهمها وضع الاحتياجات الحقيقية للجماهير في المقدمة والتطور التدريجي والمنهجي بعيدا عن المغامرات غير المضمونة مع وجود الدولة القوية القادرة علي التخطيط والتنفيذ والاهتمام بالجانب المتعلق بمصالح الجماهير والعدالة الاجتماعية والانفتاح علي تجارب الآخرين مع التدقيق الشديد في وضع الأولويات مثل الاهتمام بالزراعة ثم تأتي الصناعة والقيام باصلاحات قتصادية في الاداء والادارة. ان الصين تملك تجربة واسعة في افريقيا في الستينيات والسبعينيات من خلال المساعدات الكبيرة التي كانت تقدمها لحركات التحرر الافريقي في جنوب افريقيا وناميبيا وزميبابوي ولكنها كانت في ذلك الوقت تنافس الاتحاد السوفيتي ونفوذه القوي في القارة السمراء. والأمر يختلف اليوم فالمنافسة تجري مع الغرب الامريكي والأوروبي في مرحلة ما بعد الاستقلال وبناء الدولة الحديثة القادرة علي الانتاج والمنافسة وتحقيق التنمية الشاملة. وكل الشواهد تؤكد ان النموذج الصيني يكسب..