قدرتك علي التخيل، هل تقبل أن تخضع لصورة درامية شائكة وغير مسبوقة: انقلاب عسكري، يقوده جنرالات البنتاجون ضد الحكومة الديموقراطية التي رفعتها إلي سدة الحكم أصوات الانتخابات البرلمانية الأخيرة؟! شيء لا يتصوره فكر سياسي.. لكن هذا بالضبط ما تجري وقائعه الآن في واشنطن بين أحضان الكتمان، وينخس حمية روبرت جيتس وزير الدفاع المرشح للمنصب، ويستفزه إلي خوض أولي معاركه ضد جنرالات دونالد رامسفيلد وزير الدفاع المخلوع، حتي لا يهيمن الجنرالات علي الحكم الأمريكي الرئاسي، وكأن واشنطن إحدي عواصم جمهوريات الموز في أمريكا الجنوبية! والمعركة الآن دوارة.. بين جنرالات روبرت جيتس، وجنرالات دونالد رامسفيلد.. ويتذكر الجنرالات علي جبهة الوزير روبرت جيتس كلمات حكيمة لونستون تشرشل في مناسبة مثيلة إبان الحرب العالمية الثانية.. رئيس الوزراء البريطاني يصك كلماته: "نحن الآن في حرب، ندافع عن أنفسنا.. ولا نستطيع أن نقامر باعطاء مناصبنا العسكرية العليا لجنرالات لم يتفوهوا بكلمات عدائية علي امتداد سنوات مناصبهم العسكرية"! وفي وزارة الدفاع الأمريكية جنرالات عظام، يشغلون مناصب عسكرية صورية وهيكلية.. هؤلاء يساندون الوزير العسكري المحنك روبرت جيتس، ويرون فيه بعضا من أطياف ونستون تشرشل! والوزير جيتس سوف يحمل في عبء مهامه الثقيلة حربين فاشلتين، واحدة في العراق والثانية في أفغانستان.. وعليه أن يستولد منهما قبسا من حفظ ماء الوجه الأمريكي.. وان يستخلص من الجنرالات العظام الذين ركنهم رامسفيلد، جواهر الاستراتيجية العسكرية اللامتناهية "illimitable" التي ضنوا بها علي الوزير المتكبر مخلوع الفؤاد! كيف كان رامسفيلد يختار قواده؟! يقولون: كان له جنرالات 4 نجوم، شلة من اختياره الشخصي "hand picked".. يكلف الواحد منهم باختيار جنرال 3 نجوم للموقع القيادي المطلوب.. وفي استراحة لشاغلي المنصب السابقين، يختارون جنرالا بنجمتين "يشكلون" عليه.. يستفزونه.. ويشوونه شيا!.. هؤلاء هم المغضوب عليهم من وزير الدفاع، ويستبعدون بالقرعة عادة عن مناصبهم.. وفي هذا قتل للشخصية القيادية، ومنتهي الإهانة العسكرية الأمريكية! يكفي أن تعلم أن الجنرال إريك شينسكي رئيس أركان الجيش الأمريكي مر بهذه التجربة المضعضعة للشخصية لمجرد أنه نقل عنه صدقا، أو افتراء انه قال: "إن حرب العراق تحتاج لمئات الألوف من المقاتلين الأمريكيين".. رغم أنه تقييم عسكري صحيح ورأي سليم!! هذا التمزيق.. والفوضي! لكن بمعيار الاختيار عند وزير الدفاع المخلوع: من هو رجل رامسفيلد الذي كان..؟! إنه الجنرال بيتر بيس، رئيس هيئة الأركان.. أول جنرال من القوات البحرية يحتل منصب رئاسة الأركان.. محارب قديم، يحمل نيشان فيتنام.. لكن كبار الضباط "Brass" يأخذون عليه ممالأته للوزير رامسفيلد أثناء شغله لمنصب نائب رئيس الأركان، يتصدر موكب تحركاته في أروقة البنتاجون، ويملأ أذنه بالثناء مخلوطا بشيء من النميمة.. وكافأه رامسفيلد بالمنصب الرفيع "رئاسة الأركان"، علي سبيل التعويض والمكافأة "quid pro quo"!. صيف العام القادم، سوف يتم التجديد عامين لكل جنرالات رئاسة الأركان الأمريكية.. والمرجح أن يرسل الوزير جيتس رسالة حاسمة إلي قادة رئاسة الأركان يكشف لهم عن أنه يريد أن يستبدل رئيس الأركان الجنرال بيتر بيس بجنرال آخر قادر علي "تحدي الوزير بأفكاره".. وأنه لهذا قد يستبدل رئيس الأركان الحالي! إلا أن صديقا للوزير روبرت جيتس في تصريح خاص لمجلة تايم نفي بشدة فكرة تغيير رئيس الأركان: "إن تغييره قبل حلول صيف العام القادم خطوة كبري.. ولا أظن أن أحدا سوف يسمح بوقوع مثل هذا التمزيق والفوضي"! لكن الشائعات في أرجاء ردهات البنتاجون مازالت تتردد بصوت مرتفع حول طرد رئيس الأركان من منصبه.. بل انهم يسمون بديلا له: "الجنرال جيم جونزا القائد السابق لقوات المارينز، وقائد القوات الأوروبية.. وهو رجل مشهور بفهمه وذكائه "savvy"! وأدق تعريف بالجنرال جيم جونز تجده منقولا بالحرف عن لسانه في كتاب "حالة نكران للذات" state ofdenial للكاتب الأمريكي الشهير بوب وودوارد.. فيه ينصح صديقه الجنرال بيتر بيس رئيس الأركان الراهن بكلمات ملؤها الحكمة: "لا تكن مثل الببغاء.. تنقل عن إدارة بوش كل ما تدعيه"!! لئن كان علي وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس أن يخلع رئيس الأركان بيتر بيس من منصبه، فإن عليه أن يتلو شهيقه بزفير يطير علي أجنحته الأدميرال إدجيا جيامبا ستشياتي، نائب رئيس الأركان الحالي، والمساعد العسكري للوزير المخلوع دونالد رامسفيلد ووعاء ثقته.. وينبغي أن يتم ملء فراغ المنصبين علي جناح طائر.. ليكتمل لوزارة الدفاع، ورئاسة الأركان، توافق الإيقاع وسرعته النابضة! الجزاء.. ينتظر الجنرالات..! ولمطبخ الشائعات في البنتاجون طنين لا ينقطع واستقراء مدقق.. من بين أهم الأسماء الباحثة عن طالع الغد: من هو البديل الذي يملأ منصب قائد الجيش الجنرال جون أبي زيد، رئيس القيادة المركزية، التي تضم دولتي الحرب: العراق وأفغانستان؟ جنرال أبي زيد، والجنرال جورج كيسي قائد الحرب في العراق، يحملان أوزار الحرب وأخطائها الفادحة.. إن لم يكن كلها، بالقليل بعضها..! دوجلاس ماكجريجور، كولونيل بالجيش وكاتب عسكري، يفصح عن نظرة عسكرية تحليلية كاشفة.. يقول: "للحرب استراتيجية تفترض تخفيض احتمالات الصراع المسلح.. تشجع المحاربين علي ألا يحاربوا إلا عند الضرورة، ولتحقيق النصر بأقل الخسائر في الأرواح والمعدات.. وقد حقق جنرالات الحرب في العراق للأسف عكس هذه الاستراتيجية تماما!! ما هي توقعات الجزاء الذي ينتظره قواد الحرب في العراق وأفغانستان؟ التوقعات القوية وكأنها أحكام عسكرية: الجنرال جون أبي زيد، رئيس القيادة المركزية، سوف يعتزل منصبه! الجنرال جورج كيسي، قائد الحرب في العراق، كان يقف في صف طويل لمنصب رئيس أركان الجيش، وأن يكافأ علي إنجازاته في العراق.. تبخر الوعد، وحرم السعد..! لفتنانت جنرال ديفيد بيتر يوس، ولفتنانت جنرال بيتر تشيارلي، كانا مرشحين لإرث منصب الجنرال أبي زيد.. تم إبطال الترشيح، ووجه لكل منهما اتهام بالتقصير، لأنهما ركزا علي الجوانب الفكرية والعاطفية القلوب والعقول لحرب العراق!.. واعترف انه ليس تحت يدي منطوق الحيثيات القانونية لهذه الأحكام.. لتضيء منطق الاتهام! أضف إلي قائمة التحقيقات العسكرية ثلاثة من جنرالات البحرية أثبتت التحقيقات انهم ليسوا من "رجال رامسفيلد". كان وزيرا للدفاع.. أصبح اسمه "صك اتهام"!!