بعض ما يحدث في مصر الآن يندرج تحت باب "اللامعقول". ولأن هذا "العبث" ليس حدثا فرديا، وإنما أحداث متلاحقة، بحيث ما نكاد نخرج من "نقرة" حتي نقع في "دحديرة".. فان الأمر لا يجب أن يمر في صمت، أو يمضي بدون حساب. وأخر حلقة في هذه السلسلة العبثية، هي تقديم أحد "الباحثين" أطروحة لنيل درجة الدكتوراة. أما عنوان هذه الرسالة فهو "مجلة روز اليوسف واتجاهاتها في ميزان الفكر الإسلامي". وأما الجهة التي ناقشت هذه الرسالة فهي كلية أصول الدين التابعة لجامعة الأزهر. وأما خلاصة هذه الرسالة - العلمية - التي أنقلها عن مقال مهم للزميل الأستاذ أسامة سلامة في العدد الأخير من المجلة "الملعونة" فهي: 1- المجلة عملت علي تقويض أركان الاسلام ومبادئه. 2- أخذت عن صاحبتها الانطباع الثوري علي الفكر والنظام القائم، ولم تفرق بين الغث والسمين، ولا بين ما يصلح للأمة الإسلامية وما لا يصلح. 3 - هناك مجلات منها "روز اليوسف" تستخدم للهدم بدلاً من البناء، وتكون سببا في الإفساد بدلا من الاصلاح، والعديد من الصحف اتخذت مسلكا أدي إلي تهتك العقيدة وانحراف في السلوك، وأصبحت تخدم هدفاً واحداً وتروج له وتحميه، وهو المادة وفي مقابله تتنازل عن القيم والمبادئ الاسلامية والتعاليم الشرعية. 4 - لها دور خطير في بلبلة الثقة والشعور بالإيمان لدي جمهور المسلمين وتقديم مبادئ الإسلام مشوهة مبتورة للناس. 5 - تقلد المستشرقين الزنادقة، فقد كانت كتبهم مليئة بتلك الشبهات، واليوم بفضل كتاب المجلة عامة والعلمانيين خاصة أصبحت البضاعة شعبية تصل إلي الناس في كل الأمة الإسلامية. 6 - اتخذت اتجاها ثابتاً في الترويج للأباطيل وغراما بالسير في الممنوع ومجابهة تعاليم الإسلام وتشويه صورة علماء الإسلام. أما "فاطمة اليوسف" فقد أصابها الكثير من سهام الافتراءات غير الصحيحة والمعلومات غير الدقيقة والتي بني عليها صاحب الرسالة نتائج بحثه والتي نوجزها في الآتي: 1- مهاجرة لبنانية مسيحية أسلمت رسمت نفسها فاطمة، لكنها تأثرت بالأسر المسيحية التي تربت لديها، حيث اضفت عليها طابعا غير إسلامي، فهي كانت تقرأ القرآن وتحتفل بالكريسماس، وهو من أعياد الكفار "حسبما جاء في أحد هوامش الرسالة". 2 - كانت تعمل بالمسرح، وكان هذا العمل علي حساب بيتها وزوجها، لأنه كان يستحوذ علي معظم وقتها، فاستقرار الحياة الزوجية في تفرغ المرأة لبيتها أو أن تعمل عملاً يناسب فطرتها، أما فاطمة اليوسف فلم تعرف الاستقرار الأسري والحياة الزوجية لأنها خالفت سنة الله في خلقه. 3 - الدافع وراء إصدارها المجلة هو المكسب المادي. 4 - كانت متحررة وسافرة ولم تعرف الالتزام بقواعد الاسلام في الحجاب والملبس أو الخروج للعمل. نحن إذن لسنا إزاء "رسالة علمية" وانما نحن ازاء لائحة للاغتيال المعنوي والإرهاب الفكري لمجلة مصرية منذ صدور عددها الأول، أي منذ 82 عاما مضت، حتي العدد رقم 4096 الصادر يوم السبت الماضي، وربما الأعداد التي ستصدر مستقبلا أيضا. ونحن إذن لسنا إزاء لجنة جامعية، أقرت هذه الرسالة، وانما نحن ازاء "محكمة تفتيش"، وضعت ختم "المباركة" الأكاديمية علي هذه الاتهامات التكفيرية المروعة. فلا بأس أن يكون هذا الرأي - رغم فظاعته - هو ما يقتنع به أي شخص. لكن الخطير أن يكون هذا الرأي "غير العلمي" هو الفرضية الأساسية لأطروحة أكاديمية. والأخطر أن يتم قبولها وادراجها في خطة الدراسات العليا، وإسنادها إلي مشرف، وتشكيل لجنة لمناقشتها، ثم إقرارها. والأكثر خطورة أن يحدث ذلك كله في احدي الكليات التابعة لجامعة الأزهر. ونستطيع ان ندرك مدي هذه الخطوة إذا تأملنا تصريحات الدكتور سعاد صالح، أستاذ الفقة المقارن، بجامعة الأزهر التي قالت فيها إن "هذه ثاني رسالة تكفير تصدر عن جامعة الأزهر فقد سبق ان كفرت احدي الباحثات العلمانيين، وفي مقدمتهم المستشار محمد سعيد عشماوي، وقالت فيه "انه كافر". ولم يحدث هذا عن طريق السهو والخطأ، أو من وراء ظهر الجامعة، بدليل أن الدكتورة سعاد أضافت قائلة "عندما علمت بهذا الأمر رفعته في مذكرة لرئيس الجامعة ونائبه وكان ردهما أن الباحثة لم تكفر أحدا لكنها تنقل عن الآخرين وتم قبول رسالتها". وأعربت الدكتورة سعاد صالح عن تخوفها من اختطاف الأزهر في اتجاهات بعيدة عن وسطيته "فالآن يعشش فيه أصحاب أفكار غريبة عنه خاصة الأخوان المسلمين الذين يستقطبون الأزهر بعد أن استقطبوا النقابات". هذا هو الأخطر من "الرسالة" التكفيرية ل"باحث" داس بالحذاء علي كل أصول البحث العلمي وما تتطلبه من موضوعية وحيادية وابتعاد عن الاهواء الذاتية. وأستطيع أن أفهم أن ينشر هذا "الباحث" ما يعن له من آراء مهما كان الاختلاف معها في هذا المنبر أو ذاك من المنابر التي تبث التطرف وثقافة الكراهية، لكن مالا أستطيع أن افهمه أن تكون المؤسسة الأكاديمية التي يتم الإنفاق عليها من أموال دافعي الضرائب هي هذا المنبر الذي يسمح بتكفير طابور طويل من أفضل العقول المصرية التي صالت وجالت علي صفحات مجلة روزاليوسف وكانت كتاباتها مصابيح تنوير وعقلانية، ورسائل لإشاعة قيم الحق والخير والجمال من أمثال احسان عبدالقدوس وأحمد بهاء الدين وكامل زهيري ومحمد عودة وصلاح حافظ وعبدالرحمن الشرقاوي وفتحي غانم وحسن فؤاد وجمال كامل وعبدالسميع وحجازي وأحمد حمروش ومحمود السعدني.. وغيرهم. كل هؤلاء وافقت كلية اصول الدين علي الطعن في عقيدتهم واتهامهم بالكفر والالحاد. ..الخطير أن يحدث هذا في كلية أصول الدين التي قبلت مناقشة رسالة الدكتوراة المسمومة. الخطير أن جامعة الأزهر التي تتبعها هذه الكلية لم تحرك ساكنا بما يعني موافقتها علي تكفير خلق الله. الخطير.. أن المجلس الأعلي للجامعات.. أعلي سلطة للمؤسسة الأكاديمية.. غض الطرف عما يحدث في احدي الجامعات المصرية ولم يصدر مجرد بيان يتصدي فيه للعبث بأصول البحث العلمي واستخدام القنوات الأكاديمية كمنصات لإطلاق صواريخ الدمار الثقافي الشامل. ..الخطير أن نقابة الصحفيين لم تتحرك حتي لحظة كتابة هذه السطور للدفاع عن واحدة من أهم قلاع الصحافة المصرية التي تتعرض لإرهاب فكري غير مسبوق وتكفير جماعي. ..الخطير أن يحدث كل هذا قبل أن تتبدد اصداء حرب تصريحات الحجاب التي أطلقها وزير الثقافة فاروق حسني وحولها الكثيرون وبما في ذلك قيادات بالحزب الوطني إلي مأتم لحرية التعبير. فماذا يريد النافخون في نيران التطرف والتكفير والارهاب الفكري أن يفعلوا بهذا الوطن؟ وهل نقف مكتوفي الايدي أمام هذه الحملة الظلامية التي تتلاحق فصولها بصورة عجيبة بحيث لا تترك لنا فرصة لعمل أي شيء مبدع وخلاق بعد أن أصبحنا متفرغين تقريبا للدفاع عن أنفسنا وعن أبسط حقوق الإنسان؟! [email protected]