اغتيال الوزير اللبناني "بيير الجميل" في الحادي والعشرين من شهر نوفمبر الحالي استهدف في الأساس ضرب الاستقرار في لبنان ونشر الفوضي والإبقاء عليها للحيلولة دون الوصول إلي وفاق وطني. واقعة الاغتيال وهي الأولي منذ أن اغتيل "جبران تويني" في الثاني عشر من ديسمبر الماضي أحدث ارباكا أكبر في الشارع السياسي اللبناني. بل إنه أصاب لبنان في مقتل. * الاغتيال والمعارضة ولا شك أن عملية الاغتيال جاءت في توقيت دقيق ضيع علي المعارضة فرصة اللجوء إلي الشارع والنزول إلي ساحته للتظاهر وهي الخطوة التي كانت رهن التنفيذ وأكدها خطاب الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله قبل حادث الاغتيال بيومين. كما أن الاغتيال بدا كعامل مساعد دفع بمجلس الأمن إلي إقرار إنشاء المحكمة الدولية الخاصة بالتحقيق في اغتيال رفيق الحريري وهو أمر حرص عليه فريق الرابع عشر من آذار. هذا فضلا عن أن واقعة الاغتيال حالت دون تحقيق ما أرادته قوي المعارضة وهو اللجوء إلي أحد الخيارين إما تشكيل حكومة وحدة وطنية وإما انتخابات نيابية مبكرة. * مشروع الفوضي الخلاقة غاب عن الكثيرين اليوم أن المشروع المطروح علي لبنان هو ما اسمته إدارة بوش بالفوضي الخلاقة وليس إرساء التوازن. أما الساعي إلي الفوضي في الأساس فهو من له مصلحة في وجودها، فأمريكا وإسرائيل لهما مصلحة في خلق الفوضي. إسرائيل حريصة علي أمر كهذا وعلي جر لبنان إلي فتنة داخلية خاصة بعد هزيمتها الأخيرة أمام حزب الله في لبنان. وأمريكا أيضا حريصة علي ذلك حيث فشلت حتي الآن في تحقيق الهيمنة علي لبنان وفشلت في المنطقة بعد الفخ العراقي ومن ثم كان لبنان هو المكان الوحيد الباقي لها لتقول إنها حققت فيه إنجازاً. وعندما بدا لها أن سياستها تتعرض للانحسار في المنطقة وتحديداً في لبنان لجأت إلي نشر الفوضي التي يتحطم معها كل أمل في أن يكون لأي قوي وطنية مشروعها الأخلاقي. * سوريا بريئة لقد سارع الكثيرون حتي قبل إجراء أي تحقيق بتوجيه أصابع الاتهام إلي سوريا وتسليط الضوء عليها بأنها الفاعل وانها المستفيد من خطوة كهذه وانها المعنية بتغيير موازين القوي في لبنان. ولا شك أن القفز إلي هذه النتيجة يتناقض مع الواقع والمنطق. إذ ما مصلحة سوريا الآن وهي الأقوي في أن ترتكب تلك الحماقة؟! فخلفاء سوريا في لبنان في وضع مريح والمناخ بالنسبة لها جيد ومن الممكن لها استعادة علاقتها بسهولة مع لبنان خاصة مع ما لها من نفوذ كبيرة داخله، وبالتالي لا يوجد عاقل يعتقد أن سوريا يمكن أن تقدم علي اغتيال "بيير الجميل" بل ان يكون لها يد أصلاً في اغتيال رفيق الحريري. * طريق الإنقاذ لبنان اليوم في مأزق سياسي وطني كبير نتيجة الطموحات غير المقبولة من فريق "14 آذار" للاستئثار بالسلطة. وبالتالي يظل الإنقاذ رهناً بتشكيل حكومة وفاق وطني يتعايش معها ومن خلالها الفريقان.. فريق الأكثرية وفريق المعارضة. وما يجب أخذه في الاعتبار هو مصلحة لبنان التي يجب أن تكون لها الأولوية بعيداً عن المصالح الخارجية والفئوية. أما إذا أردنا كسر الموازين فعندئذ سيضار الجميع ويغرقون في سلسلة من المآسي. * الصدمة والوفاق إن الصدمة التي وقعت باغتيال "بيير الجميل" اليوم والإجماع علي إدانة الاغتيال يجب أن يترجم ليكون بداية صحوة لدي جمهور واسع من اللبنانيين، صحوة تشكل إطاراً ضاغطاً لإعادة الوفاق اللبناني اللبناني من جديد علي أن يؤخذ في الاعتبار أن الصراعات في لبنان تحدث وتحتدم عندما تختل موازين القوي ولذا يجب تصحيحها ولا يتأتي هذا إلا من خلال تسوية سياسية تخدم مصلحة لبنان في الأساس وتأتي وفقاً لهذه المصلحة وليس وفقاً لمصالح الآخرين. * بعيداً عن الاتهامات الارتجالية لا شك أن لبنان اليوم أحوج ما يكون إلي تكاتف الجهود ورأب الصدع حتي يمكن حماية البلد من الوقوع في كارثة مضاعفة. والحل يكمن في حكومة وفاق وطني إلي حد أصبحت معه ضرورة. والبعد عن سياسة التحريض المذهبي الحزبي حتي لا يحدث مزيد من التفكك الداخلي والبعد عن الاستئثار بالسلطة لصالح الأجنبي. حرام أن يسارع البعض إلي إصدار اتهامات مسبقة ضد سوريا ويفتح ملفات الاتهامات الارتجالية. ولا غرابة فلقد كان هناك نزوع إلي ذلك بهدف توجيه ضربة اجهاضية لسوريا وحزب الله والقوي الوطنية التي تقف أمام المشروع الأمريكي والفرنسي. إن من قتل "الحريري" هو الذي قتل "بيير الجميل"، وهو من أراد أن يستأثر بلبنان تحت الوصاية الأمريكية، الحادث ليس إلا مؤامرة كبري ضد لبنان بأكمله أراد معها الفاعل اغتيال الوطن وضرب مشروع الاعتدال والانفتاح والوفاق والزج بلبنان في مستنقع لا نجاة منه.