انزعج المصريون حكومة وشعبا حين وردت أنباء صحفية مفادها أن شابا مصريا يدعي محمد مسالم قد تعرض للقتل بطريقة بشعة وللتمثيل بجثته في شوارع بلدة «كترمايا» بجبل لبنان وذلك بعد اتهامه بقتل أربعة أفراد من أسرة لبنانية من بينهم طفلتان أكبرهما في التاسعة من العمر. وكانت الشرطة قد ألقت القبض علي الشاب المصري ثم اصطحبته لتمثيل الجريمة في منزل الأسرة إلا أن الأهالي أوقفوا سيارات الأمن واختطفوا الشاب وقاموا بسحله بسيارة في أرجاء القرية ثم قاموا بقتله وتعليق جثته علي عمود إنارة. والسؤال: لماذا أظهر أهالي هذه البلدة كل هذه الوحشية والانتقام من الشاب ولماذا لم يتركوا العدالة تأخذ مجراها كما هو الحال في الدول المتحضرة؟ من المعروف أن شوارع لبنان قد تشبعت بالدماء منذ أكثر من أربعين عاما ونحن هنا لا نشير فقط إلي الحرب الأهلية التي اجتاحت لبنان في الفترة من 1975م حتي عام 1990م إذ لم يؤد انتهاء الحرب إلي توقف مسلسل الاغتيالات التي مازالت تشهدها الشوارع والميادين اللبنانية. ويبدو أن أشجار الأرز في لبنان لا تنمو إلا إذا ارتوت جذورها بدماء البشر التي تهدرها الاغتيالات. ومن الملاحظ أن هذه الاغتيالات لم تنحصر في الوسط السياسي فحسب بل طالت الكتاب والصحفيين. لقد بدأت الاغتيالات في لبنان بإسالة دماء القادة الفلسطينيين ومن بينهم غسان كنفاني الذي ذهب ضحية انفجار سيارة مفخخة في 8 يوليو 1972م. وشهدت حقبة السبعينيات اغتيال رؤساء وزعماء لبنانيين حيث تم اغتيال زعيم صيدا معروف سعد في 1975م وهو الحادث الذي يعتبره البعض بمثابة الشرارة التي أشعلت الحرب الأهلية ثم تلا ذلك اغتيال كمال جنبلاط مؤسس وزعيم الحزب التقدمي الاشتراكي في 16 مارس 1977م. ولم يكد يمر عام علي مقتل جنبلاط حتي سقط سياسي آخر هو طوني فرنجية نائب زعرتا ونجل الرئيس اللبناني سليمان فرنجية الذي لقي مصرعة في 13 يونيو 1978م. أما في حقبة الثمانينيات فقط سقط العديد من الإعلاميين وزعماء التكتلات والرؤساء، لقد تم اغتيال رياض طه نقيب الصحافة اللبنانية في 20 يوليو 1980م وتبعه ابنة قائد القوات اللبنانية بشير الجميل التي ذهبت ضحية انفجار سيارة مفخخة. ولم يكد يمر عامان علي مقتل الصبية حتي لقي والدها بشير الجميل مصرعه في عام 1982م والذي يعتبر أصغر رئيس جمهورية في تاريخ لبنان. وشهدت هذه الحقبة أيضا مقتل العميد سعد صايل قائد القوات الفلسطينية الذي اغتيل في البقاع عام 1983 كما اغتيل رئيس الحكومة اللبنانية رشيد كرامي في أول يونيو 1987م إثر انفجار قنبلة خلف مقعده في طائرة هليوكوبتر كانت تقله من طرابلس إلي بيروت. ولم ينته عقد الثمانينيات قبل أن يشهد رحيل مفتي الجمهورية الشيخ حسن خالد الذي اغتيل في 16 مايو عام 1989م ورينيه معوض رئيس الجمهورية الذي اغتيل في 22 نوفمبر 1989م. لقد جانبنا الصواب حين اعتقدنا أن اتفاق الطائف «1989م» الذي أوقف الحرب الأهلية في لبنان سوف يضع نهاية لإراقة ا الدماء فبالرغم من أن اتفاق الطائف أدي إلي حل الميليشيات اللبنانية إلا أن محاولات الاغتيال مضت في طريقها فقد تعرض رئيس حزب الوطنيين الأحرار داني شمعون وأفراد عائلته للاغتيال في منزله في 21 أكتوبر 1990م. وفي ديسمبر 1991 انفجرت عبوة ناسفة في منطقة الباسطة مما أدي إلي مقتل ثلاثين شخصا وإصابة مائة وعشرين من بينهم رئيس الوزراء شفيق وزان الذي كان يستقل سيارة مصفحة. ورغم أننا نعيش في القرن الحادي والعشرين إلا أن الاشتياق للاغتيال مازال يهيمن علي الساحة اللبنانية حيث تشهد من آن إلي آخر اغتيال إحدي شخصياتها البارزة، لقد اغتيل الوزير السابق ايلي حبيقة في مستهل عام 2002م ليتبعه اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري في 14 فبراير 2005م كما اغتيل اثنان من أبرز رجال الصحافة في ذات العام: سمير قصير وجبران تويني واكتملت حلقة الاغتيالات في عام 2007م باغتيال السياسي الماروني، انطوان غانم الذي اغتيل في سبتمبر 2007م والعميد فرنسوا الحاج في ديسمبر 2007م. لعل ما يواسي الشعب المصري هو أن شوارع لبنان اعتادت علي الاغتيالات وأن أشجارها لا ترتوي إلا بدماء الشهداء والأبرياء، ورغم أن مسئولية الاغتيالات تقع علي عاتق هذه الجهة أو تلك إلا أن دماء القتلي تذهب هباء إذ حتي يومنا هذا لم يقدم أي فرد أو جماعة للمحاكمة بتهمة اغتيال أي من الشخصيات اللبنانية. وهذا بالطبع ترك انطباعا لدي الناس بأن المحاكم والمؤسسات الحكومية لا جدوي منها ولن تستطيع تحقيق العدالة مما دفعهم لتنفيذ أحكام أصدروها بأنفسهم.