تظل تلك المذكرات مسيطرة علي خيالي، واعني بها مذكرات اسماعيل فهمي نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الاسبق وكان الرجل وزيرا ايام حرب اكتوبر، وهي شأن لا ينتهي اثره من الكون، واكاد اقول انه شأن له اثر لا يقل عن القاء قنبلتي هورشيما ونجازاكي، فقد اصبح من حق الدول ذات الحضارة ان تقول - بالسلاح الذي لم تصنعه - انها صاحبة الحق في المستقبل عندما تواجه الدول المصنع داخل الانابيب، مثل دولة اسرائيل، وكانت تلك الحرب ايذانا بنهاية التعصب الذي يؤسس دولا. مذكرات اسماعيل فهمي ترصد ما ظنه الدبلوماسي الكبير خطايا واخطاء الرئيس السادات، ويرسخ من قيمة الفعل الدبلوماسي، وكيف تصون الدبلوماسية الكيان المحلي للدولة، الكيان الموجود علي الخريطة. ولا يستطيع احد ان يقلل من جهد الدبلوماسية بجانب جهد مؤسسة الرئاسة التي ترسم الاستراتيجية بناء علي ظروف الخارج، ولعل الدكتور محمود فوزي كان هو الوحيد في وزراء الخارجية المصرية الذي فهم تماما كيف تكون الدبلوماسية سندا اساسيا للرئاسة فلم يقدم الرجل لجمال عبدالناصر ولاء مشكوكا فيه، ولم ترسم خطواته اطماعا في ان يحل محله ابدا، وهي الاطماع التي يمكن ان تراها واضحة في مذكرات اسماعيل فهمي، ولست انسي علي وجه التحديد كيف كان اسماعيل فهمي يقدم نفسه للصحافة علي اساس انه الصانع لكل شيء. لدرجة ان الكاتب الكبير محمود السعدني التقي وهو بأبوظبي باسماعيل فهمي، وكنت اعمل مساعدا لمحمود السعدني في اصدار جريدة الفجر، وحين عاد من لقاء اسماعيل فهمي، قال لي: لماذا يختار السادات مساعديه ممن يظنون انه اقل قامة من منصب الرئيس؟ وتعجبت من السؤال فاوضح لي محمود السعدني: ان اسماعيل فهمي يطلب مني ان اعود الي القاهرة، وان نجتمع اسبوعيا كي يقول لي عن حركة الكون، ثم اكتب انا ما يقوله بطريقتي كي تصل خطوطه الاستراتيجية للناس، وهو يظن انه في قامة جمال عبدالناصر، واني سألعب معه دور محمد حسنين هيكل، وهو مخطئ في ذلك تماما، لانه دبلوماسي تربي في اجواء بعيدة بشكل جزئي عن حركة المجتمع، وحاول ان ينسج من مواقعه المتعددة طريقا للصعود، ولكنه لم يتعرف علي وقائع الحركة الاجتماعية في مصر، ولم يلتفت الي حقيقة ان السادات يبدو في بعض من انواع التصرفات وكأنه "ساذج" عكس الحقيقة. فالسادات رجل غويط وحويط. اقول ذلك لان قراءتي لمذكرات اسماعيل فهمي التي اصدرتها دار الشروق تؤكد قصة الطموح المكسور للدبلوماسية حين يطمح قائدها الي مواقع اكبر مما تتيحه الظروف السياسية والاجتماعية، لذا لزم التنويه لحقيقة ان الامل الشخصي يمكن ان ينكسر لاي وزير خارجية يطمع في دور اكبر من الحدود المتاحة لدور الدبلوماسي بجانب دور الرئيس الصانع للاستراتيجية.