اقتصاد نفسي "مسلسلات الواقع العربي أكثر ركاكة من مسلسلات التليفزيون"، هذا ما قلته لنفسي وأنا أتابع بمنتهي التوتر ما كتبه الكبير حقا وصدقا السفير الكبير الراحل إسماعيل فهمي نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية المصري الذي قدم استقالته ذات نهار خلال مفاوضات كامب دافيد. ومن المؤكد ان إسماعيل فهمي السفير وصاحب الرؤية الثاقبة في كثير من الاحيان مارس أعلي درجات الصدق مع النفس حين كتب هذه المذكرات، ومن الرائع ان اثنين من أصحاب القامة العالية قد كتبا مقدمتين لتلك المذكرات هما عمرو موسي وهو من هو في الدبلوماسية الفعالة، ود. محمد البرادعي الحائز علي نوبل كرئيس للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة. ولكن عيوني وهي تقرأ المذكرات سافرت إلي يوم من أيام الإسماعيلية، حيث كان الرئيس السادات يعقد اجتماعات متعددة مع العديد من اصحاب الرأي، وأذكر اني سألته: هل هناك فرصة لتحسين العلاقات العربية بعد كامب دافيد؟ وكأني أطلقت بخار ألم مكتوماً في صدر الرجل حين قال إن العرب سيستوعبون يوما ما فعلته بمبادرة السلام. وبطبيعة الحال كان في خيالي مشهد السادات في عام 1976 في أواخر يناير، وكان إسماعيل فهمي نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للخارجية، وكان الرئيس يقوم بزيارة لدول الخليج من أجل دعم الاقتصاد المصري، وتم "لطع" الوفد المصري لأيام من أجل ان تقرر بعض من الدول مبلغا لدعم مصر، وكانت هناك جورجينا رزق ملكة جمال الكون لتقوم بعروض أزياء، ونالت السيدة نقوطا وهدايا تفوق ما نالته مصر من دعم مالي في أزمة اقتصادية كبيرة، وهي الأزمة التي قادت إلي انتفاضة يناير ،1977 وتلت ذلك في أواخر العام قصة زيارة السادات للقدس. أعلم ان إسماعيل فهمي مارس أعلي درجات الأمانة مع النفس وهو يكتب مذكراته، وأعلم ان السادات أيضا رأي كيف تصرف العرب مع انتصار أكتوبر، وهو الانتصار الذي لم يستغله العرب في تدعيم استقلالهم الاقتصادي والعسكري، ولم يصرفوا علي الهيئة العربية للتصنيع ما كان يجب ان يتم رصده من أموال لتأسيس صناعة سلاح لائقة في العالم العربي، ومن المؤكد ان الدبلوماسي العظيم والجليل والمحترم إسماعيل فهمي قد كشف مخاوف السادات من "الخيانات الإسرائيلية" في كل مراحل العمل المواجه لإسرائيل، ومن المؤكد ايضا ان مخاوف السادات كانت في محلها طوال الوقت، فحين تحارب وأمامك دبابات يتم نقلها من قواعد أمريكا في أوروبا، هو أمر شديد الاختلاف عن وضعك ان حاربت ومن يمدك بالسلاح يقوم بتنشيف ريقك أنت وبلدك وجيرانك، وأعني بهم قيادة الاتحاد السوفيتي. إن قراءة مذكرات إسماعيل فهمي أمر مطلوب لكل من له علاقة بالعمل العام فهي درس راق ومحترم، علي الرغم من صعوبة حساب موقفي الشخصي علي اساس اني منتمي لفريق ساداتي، إلا اني كلما مرت الأيام تأكدت ان السادات قد استوعب درس عدم صناعة السلاح الذي عاني منه محمد علي حين حطمت الدول الكبري اسطوله في نوارين، وأرادوا حبسه في حدود مصر. وقد قبل السادات ان يظل داخل حدود مصر دون ان تنشر مصر ضياءها في انحاء العالم العربي، وقبول السادات لتلك المسألة كان أمرا لا مفر منه مع عدم استيعات القدرات العربية علي هضم نتائج نصر أكتوبر الجليل. ومع رجاء الرحمة للجميع، بقي شكر إبراهيم المعلم الذي لا يكف عن زراعة الوعي بكل تفاصيل ما دار فيما خلف ظهور الجميع، ونشر مذكرات إسماعيل فهمي هو نوع من كشف التفاصيل المخفية، وإن كانت ناقصة. ومع خالص محبتي لعمرو موسي ومحمد البرادعي اتمني ان اقرأ مذكرات الدبلوماسيين الكبيرين، لنري بقية المشهد العالمي، أطال الله عمر الجميع.