ما يجري هذه الأيام علي الساحة الاقليمية يعيدنا بقوة إلي أيام حرب أكتوبر المجيدة وإلي الجدل الذي دار حول العمليات العسكرية في ذلك الوقت وإلي الاَراء التي ذهبت إلي أنه كان يجب عدم وقف القتال في الأيام الأولي من الحرب بعد العبور مباشرة، بل قالوا كان من الأفضل الاندفاع إلي الممرات الاستراتيجية بدلا من التوقف عند رؤوس الكباري علي بعد 10 و12 كيلو مترا شرق القناة. وفي تحليلات متعددة ومتنوعة شرحت القيادة السياسية المصرية والرئيس الراحل أنور السادات الرؤية الاستراتيجية التي صاحبت قرار الحرب، وأن الحرب كعملية عسكرية كانت جزءا من خطة شاملة وواسعة لحل النزاع مع إسرائيل، وليست الحرب هي الوسيلة الوحيدة لحل هذا النزاع. كانت الرؤية المصرية تستجيب لعوامل لم تكن مرئية للكثيرين في ذلك الوقت وتستند إلي حسابات دقيقة للموقف الاقليمي والدولي وإلي القدرات المحلية علي احتمال موقف الحرب أو الاستعداد للحرب. محليا.. كما قلنا من قبل كان الموقف لا يحتمل الاستمرار في حالة الاستعداد للحرب.. وكان دخول الحرب وبدء المعركة ضرورة تحتمها الظروف. ومحليا..كانت الموارد لا تحتمل الاستمرار في الحرب إلا لأجل محدود، كما كان استعواض لم يكن ميسورا ولذلك كان ينبغي وضع أهداف تحققها معركة سريعة ومحدودة ولكنها تفتح الطريق إلي الهدف الذي نريد الوصول إليه. وتعتبر الرؤية المصرية لاستخدام القوة في حرب أكتوبر 73 تنطوي علي درجة كبيرة من الحكمة وتستند إلي المصلحة المصرية وليس إلي تحقيق المجد الشخصي للزعيم أو الانسياق وراء أحلام لا يمكن تحقيقها. ولاتزال السياسة المصرية تدعو إلي الاقتصاد في استخدام القوة كوسيلة لحل المنازعات وفي كل مرة تثور المشكلات الدولية أو الاقليمية تنصح القيادة المصرية بعدم استخدام القوة وتشرح كيف أن القوة أو حتي الاستخدام المفرط للقوة لن يؤدي إلي حل أية مشكلات بل علي العكس ظهرت أنماط مستحدثة من الاستخدام السيئ للقوة في تبني مجموعات مسلحة غير منضبطة لأنواع من الأفكار والأيديولوجيات تبيح لها استخدام المدنيين كرهائن أو تستخدمهم كدروع بشرية مما يزيد الموقف تعقيدا. ونحن نتأمل الاَن ما يحدث في فلسطين والعراق وجنوب لبنان وما هو علي وشك الحدوث في السودان وإيران.. ندعو الجميع إلي التحلي بالحكمة واختيار السبل اللازمة لحل الأزمات.. خاصة أن هناك دائما وسائل بديلة.. ولكن الانصياع لإغراء القوة يضيع الأهداف ويوجد مواقف معقدة. لقد حصلت مصر بالسلام علي أضعاف ما حصلت عليه بالحرب لأن الرؤية من البداية كانت واضحة تماما في ذهن القيادة السياسية.