منذ أسابيع قليلة فقط تم افتتاح صيدلية دوكموريس لتكون أول متاجر الخصم التي تقتحم سوق الدواء الألماني البالغ حجمه 35 مليار يورو سنويا.. وقد حدث ذلك وسط معارضة قوية من أصحاب الصيدليات الألمانية الفردية الذين يخشون تأثير هذا المنافس الجديد علي مبيعاتهم وأرباحهم. وتقول مجلة "تايم" الأمريكية إن البلدان الأوروبية قامت خلال العقدين الأخيرين بإعادة هيكلة العديد من قطاعاتها الاقتصادية وهي إعادة هيكلة شملت حتي مكالمات التليفون ومعارض السيارات ولكنّ أحدا هناك لم يجرؤ علي المساس بغابة القوانين المنظمة لتجارة الدواء التي تبقي أسعاره مرتفعة وتكاليفه باهظة بالنسبة لأغلب المواطنين.. وفي معظم البلدان الأوروبية لاتزال كل أنواع الأدوية حتي الاسبرين، ناهيك عن الأدوية المحظور تداولها إلا بروشتة تباع من خلال صيدليات فردية يمتلكها أفراد صيادلة. ولايزال بيع الأدوية بتخفيض خارج الصيدليات وعن طريق متاجر الخصم أمرا غير معروف في أوروبا عدا إنجلترا. ولكن الحواجز العالية المقامة حول سوق الدواء الأوروبي البالغ حجمه نحو 170 مليار دولار قد بدأت تتحطم أخيرا.. وكان افتتاح صيدلية دوكموريس في ألمانيا هو أول تطور بارز علي هذا الطريق، وهو تطور حدث وسط حوار واسع حول مدي جدوي السماح لمتاجر الخصم باقتحام سوق تجارة الدواء سواء في ألمانيا أو غيرها من البلدان الأوروبية. وفي إيطاليا كان من أوائل ما فعلته حكومة رومانو برودي اليسارية الجديدة هو سماحها لمحال البقالة مثل كووب إيطاليا ببيع الأدوية التي لا تصرف بروشتة فقط، وهو إجراء رحب به كل مستهلكي الأدوية في إيطاليا. وتجدر الإشارة إلي أن المفوضية الأوروبية كانت قد أعلنت في يونية الماضي أن قوانين حماية تجارة الدواء في إيطاليا وإسبانيا والنمسا تخالف قوانين الاتحاد الأوروبي في هذا الشأن، ويقول رالف دينجهاوس مهندس البرمجيات السابق الذي يدير شركة دوكموريس في مقرها الرئيسي بهولندا إن نصف الدول الأوروبية حررت أسواق الدواء فيها بينما لاتزال أسواق النصف الاَخر غير محررة وإن ألمانيا مليئة بالصيدليات الفردية ولكن نظام تجارة الدواء في هذا البلد يتسم بعدم الكفاءة حيث يمكن خفض كثير من التكاليف إذا تم فتح السوق الألماني أمام المنافسة. ويقول جوزيف هيكين وزير الصحة في مقاطعة السار إن افتتاح صيدلية دوكموريس يخالف القانون الألماني رغم اتفاقه مع القواعد المعمول بها في الاتحاد الأوروبي، وعلي هذا الأساس يعمل اتحاد الصيادلة الألماني علي إغلاق هذه الصيدلية الجديدة قبل أن تتوسع في مقاطعات ألمانية أخري.. ولكن هيكين يدافع عن قراره بالسماح لهذه الصيدلية بالعمل في مقاطعته علي أساس أن فتح السوق أمام المنافسة هو البديل الوحيد الذي يتفق مع اَفاق المستقبل في أوروبا. والجدير بالذكر أن البرلمان الألماني يناقش حاليا مشروع قانون يمنع الصيدليات من رفع أسعار الأدوية وإن كان يسمح لها بخفض هذه الأسعار وهو قانون سيؤدي حال صدوره إلي إضفاء مشروعية علي عمل متاجر الخصم في سوق الدواء الألماني مثلما حدث من متاجر دوكموريس أخيرا. ويعتقد هيكين أنه يمكن خفض تكاليف الدواء في ألمانيا بمقدار ملياري دولار سنويا علي الأقل إذا ما فتح سوق تجارة الدواء أمام المنافسة.. ويستشهد الرجل بما حدث في إيطاليا عندما سمح للمتاجر ببيع الأدوية التي تصرف بدون روشتة حيث انخفضت أسعار هذه الأدوية بنسبة 20 30% عن سعرها المسجل من جانب شركات الإنتاج. ويختلف الوضع في السوق البريطاني عن باقي البلدان الأوروبية حيث يتاح لمتاجر الخصم والمتاجر العادية العمل في سوق تجارة الدواء منذ سنوات أسوة بما يحدث في السوق الأمريكي. وفي عام 1997 كانت نسبة الصيدليات البريطانية المرتبطة بالمتاجر 39% من إجمالي الصيدليات في بريطانيا ثم ارتفعت هذه النسبة في مارس 2006 لتصبح 57% أما الباقي فهو تابع للمستشفيات وعيادات الأطباء. وتقول مجلة "تايم" إن السوق البريطاني شهد في يوليو الماضي إبرام بوتس جروب صفقة اشترت بمقتضاها اللايانس يونتشيم مقابل 13 مليار دولار لتكوين أكبر شركة صيدليات في أوروبا صار لها الاَن 2700 منفذ للبيع بالتجزئة.. وقد بدأت محال السوبر ماركت تنافس بوتس في مجال تجارة الأدوية. وتخطط سلسلة متاجر أسدا "التي تمتلكها متاجر وول مارت الأمريكية" لفتح مزيد من أقسام بيع الأدوية في متاجرها بمعدل 3 أقسام أسبوعيا حتي نهاية العام الحالي وذلك بالإضافة إلي 97 قسما أخري موجودة بالفعل. باختصار، فإن سوق تجارة الدواء الأوروبية قد بدأت تفتح أبوابها أمام التحرير والسماح لمتاجر الخصم بالعمل في هذه السوق وهو بالتأكيد خطوة مهمة لصالح المستهلك.