لم نعد في زمن مريح لقادة شركات الأدوية الكبري فخلال الأشهر الثمانية عشرة الأخيرة جرت الإطاحة بقادة ثلاثة من هذه الشركات، اثنان منهم في الشهرين الأخيرين.. وقد اختلفت أسباب الإطاحة بكل واحد من هؤلاء الثلاثة، ففي مايو 2005 أطاحت ميرك برئيسها رايموند جيلمارتن بسبب فضيحة عقار فيوكس.. فهذا الدواء المسكن ذو الإيرادات العالية كان لعلاج أمراض المفاصل ولكنه ارتبط بزيادة حالات الأزمات القلبية التي تصيب من يتعاطونه واضطرت الشركة إلي جمعه من الأسواق ووقف إنتاجه. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن الإطاحة بهنري مكنيل من قيادة فايزر في يولية الماضي كانت بسبب عجرفته ورده البارد علي حملة الأسهم الذين أبدوا قلقهم بشأن انخفاض سعر سهم الشركة.. أما إقصاء بيتر دولان عن قيادة شركة بريستول مايرز سكويب منذ أيام فقد حدث بسبب سوء معالجته لمشكلة دواء بلافيكس الذي تنتجه الشركة لتسييل الدم الذي قامت إحدي الشركات بتقليده مما أثر علي إيرادات سكويب منه.. ورغم تعدد الأسباب وتنوعها فإن الإطاحة بالقادة الثلاثة تعكس اتجاهات أكثر عمقا في قلب صناعة الدواء العالمية. ويري فيرين ميهتا المحلل في صناعة الأدوية أن هناك تغيرين لحقا بهذه الصناعة وضعا قادة الشركات في وضع صعب: التغير الأول هو أن صناعة الأدوية تمر بمرحلة انتقال من الاعتماد علي "العلم التقليدي" إلي الاعتماد علي "العلم الجديد"، فهذه الصناعة في شكلها التقليدي تعتمد علي علوم الكيمياء والبيولوجيا ولكن هذه العلوم تخلي مكانها الاَن لعلوم التكنولوجيا الحيوية والكمبيوتر والكيمياء المتطورة كمركب علمي متكامل. وفي حين ينفق قادة شركات الأدوية بكثافة لكي تمتلك شركاتهم ناصية هذه العلوم الجديدة فإن التطور الثاني أو التغير الثاني يجعل ذلك عملية صعبة وهذا التغير هو تراجع أرباح الشركات من أدويتها التقليدية ذات الدخل المرتفع. وهناك عدد كبير من تراخيص الأدوية سوف ينتهي موعدها هذا العام أو العام القادم.. كما أن أقسام الأبحاث في هذه الشركات لم تعد تُخرج مزيدا من الأدوية الجديدة بكثافة كما كان يحدث من قبل.. والأكثر إثارة للاضطراب هو أن تقليد الأدوية دون ترخيص صار عملية شائعة دون حسيب أو رقيب. وأكثر من ذلك يقول ميهتا إن سوق الأدوية ذات الإيرادات العالية صار ممكنا أن يجف وينهار بين يوم وليلة.. والحقيقة أنه لا يبالغ؛ فشركة سوكيب خسرت 75% من سوق دوائها بلافيكس خلال أسبوعين فقط أمام الإنتاج غير المرخص لنفس الدواء من جانب الشركة المنافسة. وفي هذه البيئة الصعبة يصبح اتخاذ أية خطوة غير محسوبة بمثابة كارثة علي الشركة وعلي قادتها في نفس الوقت. ويقول كريس سكوت المحلل في الذراع الاستثمارية لبانك أوف أمريكا إن مصاعب أخري أخطر تواجه شركات الأدوية الكبري يأتي علي رأسها جمود النمو في الإيرادات؛ فلم يعد سهلا كما كان في الماضي تحقيق نمو في الإيرادات ما بين 10 و15% سنويا. وفي حين تتضاءل فرص النمو فإن سعر أسهم هذه الشركات تتجه هي الأخري للانخفاض.. ومع ذلك فإن بعض قادة الشركات مازالوا يضعون استراتيجيات نمو نشطة ويقعون بذلك في أخطاء فادحة تعرض كراسيهم للخطر. ولكن السؤال الذي تطرحه "الإيكونوميست" هو: هل تغيير الرئيس التنفيذي للشركة يعالج بالفعل ما تواجهه من مشكلات؟ والرد علي هذا السؤال ليس سهلا. وعلي سبيل المثال، فإن ريتشارد كلارك عندما تولي قيادة ميرك عالج مشكلة الدواء فيوكس في حينها بنجاح، ومع ذلك فإن التحقيقات فيها تضعه الاَن في مأزق حرج، أما جيفري كيندلر الرئيس الجديد لفايزر فقد قدم وعودا بتطوير الشركة وعلينا أن ننتظر لنري مدي نجاحه في تحقيق هذه الوعود. وفيما يخص سكويب فإن المستقبل لايزال غيرمؤكد خصوصا بعد اختيار جيمس كورنيليوس كرئيس تنفيذي مؤقت حيث تتردد شائعات أنه قادم لمحاولة إصلاح الشركة وعرضها للبيع مثلما سبق أن فعل مع شركة جويدانت للأدوات الطبية عندما تولي فيها نفس المنصب قبل سنوات قليلة.