كان غريبا ان يبادر محمود عباس في أعقاب عودته من واشنطن ولقائه ببوش الاربعاء الماضي ان يبادر ويضع خريطة الطريق في الصدارة بوصفها السبيل لحل الاستعصاء الراهن بالنسبة للقضية الفلسطينية نسي عباس او تناسي عن عمد ان خريطة الطريق هذه قد توارت وطمست ولم يعد لها وجود لاسيما بعد ان نسفتها اسرائيل من خلال الأربعة عشر تحفظا عليها ولاسيما بعد الوعد الذي قدمه بوش لشارون في 14 ابريل 2004 وكان من بين بنوده اسقاط مطالبة اسرائيل بالانسحاب الي حدود سنة 1967 واسقاط حق العودة. المبادرة العربية ومجلس الأمن بيد أن عباس بتسليط الضوء علي خريطة الطريق من جديد وهي مقترح أمريكي أراد ان يبعث برسالة الي حماس تحديدا والعرب عامة تقول بان امريكا مازالت هي الراعي الرئيسي الذي تناط به عملية السلام في المنطقة ولا يمكن لاية جهة أخري الاضطلاع بالمهمة. لقد تزامن لقاء عباس مع بوش مع الاجتماع الذي عقده مجلس الأمن لبحث المبادرة العربية التي كانت تسعي الي احياء عملية السلام من جديد بعد ان تجمدت لعدة عقود كانت المبادرة ترتكز علي انسحاب اسرائيل حتي خط الرابع من يونية سنة 1967 والتوصل الي حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين وفق القرار 194 وقبول قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس مقابل اعتبار النزاع مع اسرائيل منتهيا والدخول في اتفاق سلام معها واقامة علاقات طبيعية كاملة في اطار سلام شامل. من أفشل الاجتماع؟ بيد أن أمريكا حالت دون انجاح الاجتماع الذي عقده مجلس الامن خشية من ان يتحول الي منبر لمهاجمة اسرائيل ولهذا حرصت أمريكا علي تحديد اطاره بل وتحديد عدد من يتحدثون فيه حيث رفضت اي اتهام يوجه الي اسرائيل لقد سعت منذ البداية الي عدم عقده علي أساس الخشية من ان يتحول الي منبر لمهاجمة اسرائيل ولهذا لم يعقد هذا الاجتماع إلا بعد أن أشرفت بنفسها علي تحديد شكله وتحديد عدد المتحدثين فيه. الانقسام العربي.. وخلافا للعراقيل التي وضعتها أمريكا واسرائيل فان هناك عاملا اضافيا آخر ساعد علي سد الطريق أمام اي توجه عربي جذري لحل مأزق عملية السلام في المنطقة فلقد تسبب الانقسام الحادث بين العرب حول طرح ملف عملية السلام في الشرق الاوسط في الحيلولة دون الوصول الي حل وحسم الأمور واحراز تسوية في النهاية واغلاق هذا الملف وقد نبه الي ذلك الانقسام الشيخ حمد بن جاسم وزير الخارجية القطري عندما أماط اللثام مؤخرا عن انه اكتشف وجود اتفاقيات أخري رغم وجود موافقة عربية علي الذهاب الي مجلس الامن موضحا ان مثل هذه الجهود المبعثرة تضعف الدور العربي ويستغلها الغير ولا تأتي بنتائج. أمريكا فشلت كوسيط كان يتعين علي العرب منذ سنوات التحرك وسحب البساط من تحت أقدام الولاياتالمتحدة حيث ان اضطلاعها بمهمة الراعي الباحث عن تسوية عادلة وشريفة ونزيهة قد ثبت فشله فكل ما فعلته امريكا انها تظاهرت بالقيام بهذا الدور ولكنها علي الارض لم تقم بتفعيل أي بند في القضية ولم تسع عن حق لتنفيذ التزامات وعدت بها ولعلها كان لها الفضل الأكبر في تمييع القضية "وتسليم" الأمور كلها الي اسرائيل ليتم رسم السيناريوهات المطلوبة بواسطتها وهي سيناريوهات عمدت الي تجميد عملية السلام والتركيز علي ممارسات قمعية ضد الشعب الفلسطيني ولا أدل علي ذلك من ان ادارة بوش صاحبة اقتراح ما يسمي بخريطة الطريق وهو الاقتراح الذي ظفر بمصادقة دولية من قبل روسيا والأمم المتحدة والاتحاد الاوروبي وتشكلت بموجبه ما يسمي باللجنة الرباعية التي ساهمت حتي الآن في إفشال كل الجهود الرامية الي التوصل الي حل مرضي للطرفين هي التي ساهمت بنسفه من خلال دعمها لإسرائيل. وعود كاذبة لقد وعدت إدارة بوش من قبل بقيام دولة فلسطينية بحلول عام 2005 ولكن ما لبث بوش أن تراجع واكد ان هذه الدولة ستعلن في 2009 اي بعد انتهاء ولايته الثانية وتسلم إدارة امريكية جديدة السلطة في يناير 2009 ورغم ذلك مازالت أمريكا حريصة علي التظاهر بأنها هي وليس أي طرف آخر القادرة علي احلال السلام في المنطقة شريطة وجود شريك فلسطيني في المنطقة وهو ما تتعلل به ادارة بوش منذ عرفات حيث اسقطت الاعتراف بالرموز الحالية الموجودة وصورت الوضع علي انه يمثل اشكالية كبري في وجود حماس علي رأس الحكومة وكأن حماس بذلك هي المعرقل الوحيد لعملية السلام. عامل اضافي آخر ساهم الي حد كبير في افشال اجتماع مجلس الأمن ألا وهو التشتت والتمزق الحالي بين الفلسطينيين وهو أمر من شأنه أن يضعف فرص التوصل الي اي تسوية عادلة في المنطقة.