لاشك ان الضغوط التي تمارسها ادارة بوش علي محمود عباس هي التي تعرقل في الاساسي تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية ولقد ظهرت هذه الصعوبات بعد ان التقي محمود عباس بالقنصل الامريكي العام في القدس الذي ابلغه منطوق رسالة تقول ان امريكا تعارض تشكيل حكومة وحدة وطنية وان علي عباس اعداد فتح بشكل جيد للانتخابات القادمة. وهذا هو السبب الذي حدا بعباس في اعقاب عودته من واشنطن ولقائه ببوش في العشرين من الشهر الماضي الي التراجع عن فكرة تشكيل حكومة وحدة وطنية فخلال زيارته لواشنطن اعترضت ادارة بوش علي ان تكون حماس علي رأس هذه الحكومة ومن ثم عاد عباس من الزيارة وقد عقد العزم علي ان يسقط هذا الموضوع من اعتباره حيث ان امريكا تريد اعتبار حماس ارهابا ولابد من القضاء عليه. ومن ثم لم يكن غريبا ماجاء بعدها صراحة علي لسان مسئولين في فتح من ان تشكيل حكومة وحدة وطنية بات امرا بعيد المنال. الجوع كافر.. لقد تضافرت كل العوامل لتطويق حماس واخراجها من اللعبة السياسية وجاء الحصار الامريكي الظالم الذي ما لبث ان تحول الي حصار دولي بإيعاز من اسرائيل ليوجد المشكلة الرئيسية والمأزق الراهن في الساحة الفلسطينية ويبدو ان امريكا راهنت علي سياسة التطويق والحصار التجويعي في محاول منها لايجاد ارضية تنطلق فهي نحو تحقيق هدفها الظالم والمتآمر علي القضية الفلسطينية منها علي يقين من ان منع صرف الرواتب سيؤدي الي مزيد من التوتر والاحتقان والهياج ويقود الي الاضراب والي تعبئة النفوس ضد حكومة حماس فالجوع كافر كما يقال وبالتالي فإن هذا قد يكون البوابة التي ينفذون منها للاطاحة بحماس واخراجها من المعادلة السياسية كلية. اداة امريكية.. ولاشك ان لقاء بوش بعباس كان له اثره البالغ في تحديد الاطار الذي حدا بعباس الي ان يؤكد بعد عودته من واشنطن ان مفاوضات تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية قد تراجعت الي نقطة الصفر وهذا يعني ان عباس اذعن لضغوط ادارة بوش التي استخدمته كأداة لاسقاط حكومة حماس من المعادلة السياسية كلية كشرط لرفع الحصار المالي عن الفلسطينيين بشكل يتيح دفع رواتبهم ولهذا ورغم ماتمارسه امريكا من دور متواطيء ومشبوه في دعم اسرائيل في ممارساتها ضد الفلسطينين في غزة والضفة بما في ذلك عمليات الاغتيال اليومية الجارية وتدمير المنازل واحتياج المدن والقري واغلاق المعابر. رغم كل هذا خرج عباس ليشيد بالولايات المتحدة زاعما انها تلعب دورا مهما في عملية السلام ولا يدري المرء عن اي سلام يتحدث محمود عباس وكأنما لايعنيه في كثير او قليل سقوط عشرات الضحايا من ابناء شعبه علي يد اسرائيل وزاد الطين بله انه مضي يطالب حماس بضرورة الاعتراف باسرائي وبالاتفاقيات التي وقعت معها كشرط اساسي لتشكيل حكومة وحدة وطنية!! منطقة قلب المعايير.. ظهر عباس حريصا علي ممارسة الضغوط علي حماس بشتي السبل رغم علمه بان اسرائيل لم تلتزم بالاتفاقيات التي ابرمت واولها اتفاق اوسلو وانها هي التي طمست جهود السلام واطاحت بكل القرارات الدولية وبالتالي لم تبق علي عهد ولم تنفذ وعد ولم تلتزم بأي مبدأ والاكثر من هذا ان عباس راح يطالب حماس بوقف العنف ضد اسرائيل فقلب بذلك المعايير وخلط الاوراق اذ ان اسرائيل هي التي تغتال الفلسطينيين يوميا وهي التي تدمر وتفرض سياسة التجويع القهري وهي التي تعربد وتنتهك الحقوق ثم يتحدث عباس عن خريطة الطريق واقول اي خريطة؟ هل يعني بها خريطة الوهم الكاذب التي طرحتها امريكا من اجل تخدير الفلسطينيين الي حين كي تمضي اسرائيل قدما في تنفيذ اجندتها المدعومة امريكيا ولا ادل علي ذلك من ان هذه الخريطة لم تقبلها اسرائيل بدليل انها هي التي نسفتها من خلال اربعة عشر تحفظا عليها. الرهان الفاشل.. مازال عباس يراهن علي امريكا كراع نزيه امين شريف في عملية السلام ولايدري ان رهانه سيبؤ بالفشل فأمريكا ليست وسيطا بين العرب واسرائيل لانها تدمن الالتصاق بالدولة اليهودية وتعشق دعمها وتعيزيز مواقفها وتشترك معها في اجندة واحدة ترمي الي تحويل المنطقة الي بؤرة خاضعة للهيمنة الامريكية الاسرائيلية بحيث تتمكن امريكا من جني المصالح والاستفراد بكل مقدراتها وبحيث يكون لاسرائيل اليد الطولي في ترتيب الاوراق بعد ان تصبح المايسترو الذي يحرك الجوقة ويتعين علي عباس اليوم ان يدرك الواقع الذي تعكسه كل المؤشرات والتي تجزم بأن امريكا لاولن تكون وسيطا في عملية سلام جادة في المنطقة ترمي الي احراز تسوية عادلة كما انها لاولن تلعب دورا توفيقيا بين الفلسطينية والدولة اليهودية التي تتعامل معها بمعايير استثنائية.