ما أشبه الليلة بالبارحة.. ما أشبه قمة شرم الشيخ التي عقدت في الثامن من الشهر الحالي بقمة العقبة التي عقدت في الرابع من يونيو 2003 والأولي ضمت الرئيس مبارك والملك عبد الله ومحمود عباس وشارون، والثانية ضمت بوش والملك عبد الله ومحمود عباس وشارون. القاسم المشترك محمود عباس ولكنه كان في قمة العقبة رئيسا للوزراء أما في قمة شرم الشيخ فكان هو الرئيس الفلسطيني المنتخب بعد وفاة عرفات.. بند التنازلات التشابه بين القمتين واضح وجلي فبيان محمود عباس في العقبة كان سلسلة من التنازلات شجعه وجود الرئيس بوش لكي يتمادي في موقفه المهادن لامريكا واسرائيل يومها نسي الرجل نفسه وجاء بيانه سلسلة من التنازلات ضمنه اعتذارا عن عذابات اليهود في كل مكان ووعدا بالقضاء علي المقاومة وفي خضم ذلك تجاهل ذكر القدس وحق العودة البيان ذاته شجع بوش يومها فمضي يتحدث عن الدولة اليهودية والتزام امريكا بتأمينها. امريكا راعية شرم الشيخ نفس المنطق يساق اليوم "امريكا علي الخط" لم تحضر القمة ولكنها كانت الراعية بل في حقيقة الأمر كانت هي الموحية بعقد هذه القمة وهي التي وضعت اجندتها التي كرست للجانب الأمني الذي يهم إسرائيل في المقام الأول لهذا حرصت رايس وزيرة الخارجية عشية انعقاد القمة علي تعيين الجنرال ويليام وورد منسقا امنيا لمساعدة الفلسطينيين علي ضبط امنهم ومنع الهجمات علي اسرائيل وبذلك تأكد ان امريكا تسير علي نهج اسرائيل في التركيز علي الوضع الأمني ولا أدل علي ذلك من انها لم توفد منسقا للسلام وهو ما أراده الديمقراطيون ورشحوا كارتر او كلينتون للقيام به وآثرت إدارة بوش تعيين منسق أمني وهو الجنرال ويليام وورد القائد السابق لقوات حلف الناتو المسئولة عن حفظ السلام في البوسنة حتي 2002 كما انه كانت له مهام عسكرية في مصر والصومال. وهم الدولة لقد آثرت امريكا الغياب عن قمة شرم الشيخ وأكدت الخارجية الأمريكية ان عبء السلام يقع علي الطرفين في خطوة تضع مسافة بين أمريكا وعملية السلام وهذا يؤكد حقيقة مفادها ان التغيير الذي طرأ علي الخطاب الأمريكي في فترة الولاية الثانية لبوش في البيت الأبيض كان تغييرا شكليا بل علي العكس زادت نبرة التطرف بتعيين كونداليز رايس وزيرة للخارجية وهي اللصيقة ببوش وبالتالي لم يكن من الممكن ان يتعدي الشكل الي المضمون وعليه لم يكن بوش صادقا في خطاب حالة الاتحاد عندما تحدث عن ان هدف اقامة دولتين ديمقراطيتين في اسرائيل وفلسطين بات في متناول اليد والدليل انه سبق وان دعا في سنة 2002 الي قيام دولة فلسطينية بحلول 2005 ثم ما لبث ان غير لغة خطابه 180 درجة في اعقاب فوزه بولاية ثانية في انتخابات الرئاسة التي جرت في الثاني من نوفمبر الماضي وذلك عندما ارجأ موعد قيام الدولة الفلسطينية مبررا ذلك باستحالة تنفيذ قيام الدولة عمليا علي أرض الواقع بحلول العالم الحالي وانها يمكن ان تقام 2009 اي بعد انتهاء فترة ولايته الثانية وبالتالي لا يمكن اخذ ما يقوله اليوم علي محمل التصديق. خريطة لسد الطريق ولعل في هذا كله ما يؤكد علي أن امريكا لا تملك صدق التوجه حيال القضية الفلسطينية وهذه حقيقة يعلمها الجميع ومن اجلها تتحرك اسرائيل بحرية بالغة في المنطقة يشجعها في ذلك دعم امريكا لها ولتحركاتها ومباركتها ولهذا رأينا اسرائيل ترفض خريطة الطريق وتبادر منذ البداية بطرح اربعة عشر تحفظا عليها رغم ان الخريطة مقترح امريكي وتمت المصادقة الدولية عليها من قبل الاممالمتحدة والاتحاد الاوروبي وروسيا.. ومن ثم حولت اسرائيل خريطة الطريق الي خريطة لسد الطريق فهي لا تريد التعامل معها الا من خلال بند واحد يطالب بالقضاء علي البنية التحتية للارهاب الفلسطيني لهذا كله لم تتمخض نتائج ايجابية عن قمة شرم الشيخ اما التفاؤل الذي عكسته قبل انعقادها فلم يكن له محل من الاعراب او ملامح علي ارض الواقع. أين الاستحقاقات؟ ظهرت القمة وكأنها عقدت خصيصا من اجل شارون وحده لتثبت وقف اطلاق النار وتطويق المقاومة الفلسطينية بل والمطالبة بنزع سلاحها دون اي مقابل اجرائي من اسرائيل فلم يرد حديث عن المستوطنات التي يستمر شارون في توسيعها ويكفي انه خلال العام الماضي وحده وبالتزامن مع خطة شارون تم بناء اكثر من 27 موقعا استيطانيا وكثف البناء في اربعين مستوطنة في الضفة ولم يرد حديث عن الانسحاب من الاراضي الفلسطينية انسحابا حقيقيا ولم يرد حديث عن اطلاق سراح الاسري والمعتقلين الذين وصل عددهم اكثر من ثمانية آلاف ولم يرد حديث عن وقف البناء في جدار الفصل العنصري ولم يرد حديث عن حق العودة بالنسبة للاجئين الفلسطينيين ولم يرد حديث عن القدس التي تمت مصادرتها اسرائيليا ولم يرد حديث عن وقف الممارسات العدوانية الاسرائيلية وقبل هذا وذاك لم يرد حديث عن تفعيل خريطة الطريق ككل ليتم تنفيذ البنود من قبل الفلسطينيين واسرائيل معا علي اساس التبادلية والتوازي. ما أكدته القمة هو عدم وجود أية استحقاقات للفلسطينيين وكأنهم اجتمعوا فقط ليعلنوا الهدنة لا غير وحتي هذه تظل محل شكوك فلا ضمان لاسرائيل ولا ضمان لشارون..