زيارة رايس وزيرة الخارجية الأمريكية لإسرائيل الأحد الماضي ولرام الله الاثنين لم تكن إلا مباركة للجهود التي تجري أكثر منها ممارسة للضغوط علي إسرائيل للخروج بنتائج ايجابية. وتؤكد كل المؤشرات بأن البرنامج الأمريكي لا يتجاوز السقف الذي حددته حكومة شارون وهو الانسحاب من غزة وبحث عملية الأمن من كل جوانبها دون أن يتوازي معها الدخول في مفاوضات الوضع النهائي لحسم قضايا مازالت معلقة حتي الآن وهي القدس والحدود والمستوطنات واللاجئين، وعليه يظل الدور الأمريكي ثانوياً ويظل منحصراً في دور المراقب عن بعد دون أن يتدخل ويمارس الضغط علي إسرائيل ضماناً لتنفيذ خريطة الطريق وما تتطلبه خاصة فيما يتعلق بإقامة دولة فلسطينية تتمتع بتواصل جغرافي وتكون قابلة للحياة. دور المراقب..! إذا أراد بوش تحريك العملية السلمية علي الصعيد الفلسطيني لأمكنه ذلك لاسيما وأن هناك فرصة كبيرة لوضع هذا الصراع في مساره الصحيح من جديد بحيث يفضي في النهاية إلي التوصل إلي حل سلمي لكلا الطرفين. ولكن ورغم ما تدعيه كونداليزا رايس من خلال تصريحاتها بضرورة قيام دولة فلسطينية لكي يسود السلام فإن المؤكد أن بوش لن يسحب ضماناته المكتوبة لشارون التي منحها له في الرابع عشر من أبريل من العام الماضي عندما التقيا في واشنطن، فلقد اسقط يومها حق عودة اللاجئين الفلسطينيين وأكد أنه لا عودة إلي حدود الرابع من يونيو 1967 وأقر الاستيطان وأقر مخطط إسرائيل في القدس وفي بناء جدار الفصل العنصري. الضحك علي الذقون..! وتفعيلاً لهذه الضمانات رأينا إسرائيل كيف تخطط للاستيلاء علي منازل وأراض في القدسالشرقيةالمحتلة التي تعود ملكيتها إلي الفلسطينيين والتي تقع خلف الجدار العنصري في الضفة الغربية وتوجهها نحو مصادرة آلاف الدونامات في الضفة والقدس في إطار ما يسمي بقانون أملاك الغائبين وهو القانون الذي كانت إسرائيل قد أصدرته في سنة 1950. أما تطبيق هذا القانون فتمثل في القرار الذي اتخذته إسرائيل في يونيو من العام الماضي وبالتزامن مع خطة فك الارتباط التي تنص علي إخلاء المستوطنات في غزة واخلاء أربع مستوطنات صغيرة معزولة في شمال الضفة. لقد بدت إسرائيل وكأنها تمارس الضحك علي الذقون، ففي الوقت الذي تلوح فيه بالانسحاب من غزة تضع يدها علي أملاك الفلسطينيين في القدسالشرقية وهو أمر يتناقض جملة وتفصيلاً مع خريطة الطريق التي تنص في المرحلة الأولي منها علي أنه يتعين علي إسرائيل ألا تصادر الممتلكات والمنازل الفلسطينية، بل إن إسرائيل ووفقاً لهذه المرحلة تتعهد باعادة فتح مكاتب المؤسسات الفلسطينية والغرفة التجارية الفلسطينية في القدسالشرقية!! رجل السلام المزعوم.. وما من شك في أن شارون نجح في أن يجعل من خطته أساساً لخريطة الطريق بعد أن حصل علي ما أسماه البعض وعد بلفور جديد من الرئيس بوش من خلال الضمانات التي أسقطت حق العودة وأكدت عدم انسحاب إسرائيل إلي حدود 4 يونيو 1967. أما ما سيحاوله شارون بعد الزيارة التي قامت بها كونداليزا رايس لإسرائيل الأحد الماضي وبعد انعقاد قمة شرم الشيخ فهو الظهور أمام العالم وكأنه رجل السلام الذي يسعي صوب تسوية حقيقية مع الفلسطينيين في الوقت الذي سيقتصر تنفيذ خريطة الطريق علي المرحلة الثانية التي تنص علي دولة فلسطينية مؤقتة. الحذر مطلوب رغم أن سياسة محمود عباس قد نجحت في وضع إسرائيل في موقف حرج تعين عليها معه وقف عدوانها علي الفلسطينيين ورغم أن عباس يمثل وجهاً مخالفاً لعرفات الذي اعتبرته أمريكا وإسرائيل معاً جزءاً من المشكلة وليس جزءاً من الحل إلا أن إسرائيل ستظل تتمسك بثوابتها وأهمها مطالبة الفلسطينيين بوقف المقاومة ووأدها، رغم أن المقاومة هي نتاج ورد فعل للاحتلال. لذا يتعين علي محمود عباس اليوم ألا يسمح لإسرائيل بخداعه في هذه المرة ويكفي أنها خدعته مرتين.. الأولي عندما نسفت أوسلو التي كان هو أحد أبرز مهندسيها واستغلتها إسرائيل للقضاء علي الانتفاضة وتوسيع رقعة الاستيطان، والثانية عندما أفشلت إسرائيل جهوده خلال توليه رئاسة الوزراء في الفترة ما بين 29 أبريل وحتي أوائل نوفمبر سنة 2003 فعلي حين التزمت المقاومة الفلسطينية بهدنة استمرت نحو ستين يوماً خلال هذه الفترة بادرت إسرائيل وانتهكت الهدنة واستمرت في ممارساتها. ولعل في هذا أكبر رد علي كل من يدعو اليوم إلي وأد المقاومة والانخراط في عملية تفاوضية مع إسرائيل. درس العقبة..! كلمة نقولها لمحمود عباس وهو أنه إذا أراد الصمود في موقعه فإن عليه ألا ينجرف نحو تحقيق رغبات أمريكا وإسرائيل علي نحو ما حدث منه في قمة العقبة التي عقدت في الرابع من يونيو سنة 2003 والتي جمعت بينه وبين بوش والملك عبدالله وشارون فلقد كان بيانه يومها سلسلة من التنازلات حيث قدم اعتذاراً عن عذابات اليهود في كل مكان ووعد بالقضاء علي المقاومة وتجاهل ذكر القدس وحق العودة!! فهل تراه اليوم قد استوعب الدرس أم أنه مازال يتطلع إلي أن يمضي قدماً في إبداء التنازلات علها تقوده إلي تحقيق أهدافه التي لا يعلمها إلا هو..؟!!