بقلم: مارتن انديك يمكنك أن تعلم بوجود أزمة حقيقية في العلاقات بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل؛ عندما يعقد رئيس الولاياتالمتحدة قمة أمن نووي للحد من طموحات إيران النووية، ويرفض رئيس الوزراء الإسرائيلي تلبية الدعوة. وضع بنيامين نتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، فكرة التهديد النووي الإيراني علي الوجود الإسرائيلي في بؤرة واهتماماته خلال فترة ولايته الثانية، ولكن في القمة النووية كانت المهمة كلها واقعة علي عاتق الرئيس أوباما الذي كان عليه إقناع الصين بالمشاركة في الجولة الجديدة من عقوبات الأممالمتحدة ضد إيران. برر نتانياهو غيابه بالقول ان تواجده في القمة سيدفع بعض القادة للتركيز علي برنامج اسرائيل النووي، إلا أن البعض يري أن تغيب نتانياهو عن القمة، يرجع إلي فشله في العثور علي إجابة في موضوع تجميد الاستيطان في القدسالشرقية لبضعة أشهر الذي طلبه الرئيس أوباما من أجل إحياء فرص مفاوضات السلام مع الفلسطينيين. ولهذه القضية أهمية إستراتيجية حيوية لإسرائيل والولاياتالمتحدة توازي أهمية خضوع إيران لمطالب حكومة نتانياهو اليمينية كما أنها تؤكد اتساع الفجوة بين إدارة أوباما وحكومة نتانياهو. ان الرئيس يري أن كبح جماح البرنامج النووي الإيراني وإحياء فرص تسوية النزاع الإسرائيلي الفلسطيني هما وجهان لعملة واحدة، إذ يري أوباما أن عزل إيران والضغط عليها يحتاج لتعاون العرب مع إسرائيل وباقي العالم في تحالف دولي كبير مناهض لإيران. وعلي الرغم من أن التهديد مشترك، إذ إن القادة العرب قلقون بقدر نتانياهو من حصول إيران علي النووي إلا أن عدم القدرة علي تحقيق تقدم في القضية الفلسطينية، يمكن القادة في إيران من اللعب علي الشارع العربي بدعوي أنهم الأنصار الحقيقيون للقضية الفلسطينية عبر رعايتهم للعنف والإرهاب والتهديد بالقضاء علي إسرائيل، وكذلك فإن التوتر يعطي إيران الفرصة لاستخدام حماس وحزب الله في الصراع مع إسرائيل مع اعتبار محمود أحمدي نجاد بطلا. نتانياهو يرفض هذه الروابط ويقول أن حل المشكلة الفلسطينية لن يغير من نوايا إيران ولن يرضي العرب، كما يري أن استخدام إسرائيل للقوة، هو ما يردع حماس وحزب الله، وأن الانقسام بين إسرائيل والولاياتالمتحدة بشأن عمليات الاستيطان في القدسالشرقية انما يشجع طهران علي الاعتقاد بأن أوباما سوف يمنع إسرائيل من ضرب المنشآت النووية الإيرانية. وأيا من كان علي حق، فليس هناك من ينكر حقيقة أن ذلك الخلاف الكبير علي القضايا الحيوية، سمم العلاقة بين القادة في أمريكا وإسرائيل. وفي خضم هذا الاختلاف، يبدو هناك تغيير جذري في الطريقة التي تتعامل بها واشنطن بحصتها من اللعبة، وهو الأمر الذي بدأ تقريبا منذ ثلاث سنوات، عندما أعلنت كونداليزا رايس وزيرة الخارجية السابقة في خطاب لها ألقته في القدس أن المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة علي المحك بسبب الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهو ما كرره أوباما الأسبوع الماضي عندما قال إن حل الصراع العربي الإسرائيلي يمثل أهمية حيوية للأمن القومي لأمريكا.. بعبارة أخري فإن الموضوع لم يعد مجرد مساعدة حليف خاص علي حل مشكلاته المنهكة، ومع التزام 200 ألف جندي في القوات الأمريكية بحربين في الشرق الأوسط الكبير، ومع قيام الرئيس الأمريكي بجهود دولية مضنية لوقف البرنامج النووي الإيراني، أصبحت تسوية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، ضرورة استراتيجية للولايات المتحدة. والمفارقة هي تطور الموقف الأمريكي في هذا الاتجاه في الوقت الذي يتطور الموقف الإسرائيلي في الاتجاه المعاكس، فبالنسبة للعديد من الإسرائيليين، ولاسيما أعضاء حكومة الائتلاف اليمينية، لا يبدو السلام مع كيان فلسطيني مقسم أمرا واقعيا وغير مرغوب فيه. ونظرا لاعتماد إسرائيل علي الولاياتالمتحدة في مواجهة التهديد الإيراني ومنع عزلة الدولة العبرية دوليا، فانه يتعين علي رئيس الوزراء الإسرائيلي سد الفجوة المتزايدة، ويبدو أن أحدا لم يلاحظ التحول الواضح في المفاهيم والرؤي الأمريكية في القدس، لذا تفاجأ نتانياهو الذي رأي أن المشكلة كلها تكمن في التوقيت السيئ لإعلانه عن المستوطنات أثناء زيارة نائب الرئيس الأمريكي. وبالنسبة لأوباما، فإن اعتذار نتانياهو لن يحل المشكلة الحقيقية، فلمدة تسعة أشهر حاول المبعوث الأمريكي جورج ميتشيل إعادة بدء المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية ، وقبل يوم من زيارة بايدن، أعلن ميتشل عن موافقة نتانياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس علي بدء محادثات مقربة، ليأتي الإعلان عن البناء في القدسالشرقية في اليوم التالي بعد ذلك مباشرة مما جعل المفاوضات تنتهي قبل أن تبدأ. ومن وجهة نظر أوباما، فان التحرك الإسرائيلي يعد بمثابة الانتكاسة الإستراتيجية، لذا أصبح إرجاء الإعلان عن البناء وغيره من الأعمال الاستفزازية في القدس بمثابة اختبار لالتزام نتانياهو في قضية تحجيم إيران المشتركة، ولاتخاذ قرار جيد قد يدرس نتانياهو القرارات التي اتخذها سابقوه مثل مناحم بيجين وآرئيل شارون. أما بيجين فقد تنازل عن سيناء كلها للتوصل لاتفاق سلام مع مصر، ليتجنب معركة مع جيمي كارتر علي الأرض الفلسطينية، بينما رأي شارون أن أفضل طريقة لبقائه السياسي هو الاتفاق مع رئيس الولاياتالمتحدة وهو الأمر الذي جعله يقترح الانسحاب الإسرائيلي الكامل من غزة من أجل تفادي الاحتكاك مع الولاياتالمتحدة علي القدس والضفة الغربية، وواجه كل من شارون وبيجين إدانة الجناح اليميني. وكذلك هناك إسحق رابين، وهو أعظم مفكر استراتيجي إسرائيلي، الذي وجد أن أفضل طريقة لإسرائيل لمواجهة التهديد الإيراني في الدائرة الخارجية من الشرق الأوسط هي تحقيق السلام مع الدائرة الداخلية منه وهو ما جعله يمد يد السلام لياسر عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية مقترحا الانسحاب الإسرائيلي الكامل من مرتفعات الجولان علي الرئيس حافظ الأسد. واليوم، فإنه لا شيء سيساعد أوباما في قضية إيران أكثر من تنازل نتانياهو عن الجولان، كما عرض أربعة رؤساء وزراء سابقين، من أجل السلام مع سوريا التي تعد بمثابة يد إيران المشاغبة علي الساحة العربية والإسرائيلية. ان التحول في مصالح أمريكا في الشرق الأوسط يعني أنه علي نتانياهو الاختيار ما بين رئيس الولاياتالمتحدة وجناحه اليميني، وإذا ما استمر في تبعيته لضغط هؤلاء الوزراء المعارضين لعملية السلام في حكومته اليمينية فإن ذلك سيكون له نتائج وخيمة علي العلاقات بين إسرائيل والولاياتالمتحدة.