بات من المقرر أن يقوم محمود عباس بزيارة إلي الولاياتالمتحدة للقاء بوش الشهر القادم. وهو اللقاء الذي كان مقررا له أن يتم الشهر الحالي بيد أن الزيارة أرجئت ضمانا لأن يأتي محمود عباس وقد حقق انجازات خاصة في مجال إصلاح الجهاز الأمني وهو ما فعله مؤخرا عندما قام باجراء تغييرات في الهيكل الأمني من خلال توحيده للأجهزة لتصبح ثلاثة بدلا من عشر بحيث باتت اليوم تضم جهازا للأمن القومي، وجهازا للشرطة والأمن الوقائي، وجهازا للمخابرات. مواجهة التحريض خشي عباس أن يقع فريسة للتحريض الذي قام به شارون ضده خلال زيارته الأخيرة ولقائه ببوش في تكساس عندما حاول تشويه صورته عمدا محملا إياه المسئولية في انتهاك التهدئة لأنه لم يقم بالمطلوب منه وهو "القضاء علي البينية التحتية للإرهاب" علي حد تعبير إسرائيل ونزع سلاح الفصائل الفلسطينية وبالتالي تجريده من امكانية أن يكون شريكا في أية عملية تفاوض مع اسرائيل. ويحاول عباس ألا يقع في الفخ ثانية كالذي وقع فيه عندما كان رئيسا للوزراء حتي لا يقال إنه حصل علي عرض سخي ولم يحسن التصرف حياله بالطريقة التي كان يجب أن يتصرف بها. غزة أولا وأخيرآً تعمد شارون تشويه صورة عباس أمام بوش كمحاولة منه للفكاك من أي التزامات يمكن ان يطالب بها حيال ما يسمي بخريطة الطريق وهي المقترح الأمريكي الذي تحفظت عليه إسرائيل بل وعمدت الي تمييعه بحيث لم يصبح علي الأجندة في الوقت الراهن وبالتالي فلا ينتظر ان تترجم خريطة الطريق وتتحول الي مسار تعقد في ظله مفاوضات سياسية بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي، فأقصي ما سيقدمه شارون وافلح إن صدق هو الانسحاب من غزة ليغلق الباب بعد ذلك علي أي مطلب آخر. وبالتالي لا ينتظر أن تكون هناك دولة فلسطينية مستقلة لأن الدولة تحتاج إلي تواصل جغرافي وهو ما تفتقده الأراضي الفلسطينية التي قضمت منها اسرائيل مساحات شاسعة خلال عمليات الاستيطان وبالتالي أقامت فواصل بين أطرافها بحيث بات من المستحيل إعلان قيام دولة فلسطينية حقيقية ذات تواصل جغرافي. غياب المسارالسياسي جاءت زيارة شارون إلي الولاياتالمتحدة ولقاؤه ببوش في الحادي عشر من الشهر الحالي لتثبيت متطلبات كان شارون في حاجة إلي تثبيتها وفي مقدمتها ان التكتلات الاستيطانية الكبري في الضفة الغربية ستبقي تحت السيادة الإسرائيلية، ومنها استمرار الدعم الأمريكي لشارون والانحياز المطلق لصالح احتلال اسرائيل للأراضي الفلسطينية، كما تأكد خلال اللقاء عدم إعطاء أهمية تذكر للوضع السياسي، فكل ماجري الحديث عنه هو ضرورة أن يتعهد الفلسطينيون ويشرعوا بالفعل في تفكيك الإرهاب حتي إذا تم ذلك أمكن بعد هذا النظر في الموضوع وتقييمه! لقد ركزت القمة بين بوش وشارون علي ما سمي بخطة فك الارتباط وتسهيل الأمور لشارون من خلال حل مشكلاته الداخلية وعلي رأسها البطالة. أين الخريطة؟ تظل خريطة الطريق أبعد ما تكون عن التطبيق، فأمريكا لم تطرحها إلا ذرا للرماد في العيون، فالخريطة في الأساس ليست الا شعارات وأبعد ما تكون عن التطبيق ولانها سمحت لكل طرف أن يعرفها وفق مزاجه الشخصي، غدا من الصعب التعامل معها بجدية وتحويلها الي وثيقة سياسية وكيف يتأتي ذلك ما لم يكن هناك تفاوض حولها من قبل الطرف الأمريكي وهو الذي اقترحها وبين كل من الفلسطينيين واسرائيل؟!! الدور الأمني والاقتصادي ماطفا علي السطح بالنسبة لأمريكا وإسرائيل معا هو استبعاد الشق السياسي من العملية الفلسطينيية الإسرائيلية وتركيز الاهتمام علي الشق الأمني والاقتصادي ومن ثم حرصت ادارة بوش علي تعيين مبعوثين اثنين.. "وليام وورد" كمبعوث أمني لمساعدة الفلسطينية علي إعادة ترتيب الأجهزة الأمنية، جيمس ولفنسون كمبعوث اقتصادي والذي يتسلم مسئوليته في يونيو القادم لمدة عام. وترتكز مهمته علي إعادة الاعمار الاقتصادي في غزة بعد انسحاب اسرائيل منها مما يساعد علي توزيع الأصول وتأمين عملية انتقال سلسلة للسلطة في غزة وإعادة الثقة بين الفلسطينيين والاسرائيليين حيث سيشرف ولفنسون علي عملية نقل ملكية المنشآت التي ستترك بعد انسحاب اسرائيل واحياء الوضع الاقتصادي وتحسين الأحوال المعيشية للفلسطينيين. ولا شك أن هناك صعوبات ستواجه مهمته ولكن يبقي تعيينه بمثابة جريمة دعم جديدة من أجل أن تمضي خطة شارون قدما نحو التنفيذ. دور للبنك الدولي.. تتطلع أمريكا إلي أن يقوم البنك الدولي الذي عين بول وولفيتز رئيسا له بشكل أعمق بضمان عملية الانتقال والاصلاحات الاقتصادية في أعقاب الانسحاب الإسرائيلي من غزة لاسيما وأن البنك الدولي يعد جهة مقبولة من إسرائيل. وبالتركيز علي الجانب الأمني والاقتصادي تكون أمريكا قد شطبت من حساباتها تعيين مبعوث للسلام كان من الممكن ان يتحدث عن تسوية نهائية بين الفلسطينيين والاسرائيليين ويتعامل مع غزة كجزء من خريطة الطريق بحيث لا يكون الانسحاب الإسرائيلي منها هو نهاية المطاف وإنما يكون خطوة علي الطريق تؤدي بالتبعية الي خطوات أخري مماثلة في الضفة الغربية..!