في الوقت الذي يعتبر فيه زيادة أسعار البترول بادرة أمل للدول المنتجة باستقبال المزيد من الدولارات علي المدي القصير والمتوسط، تبدو هناك مخاوف من التحول نحو مصادر اخري للطاقة قد تصبح ارخص بعد ان أهملت لفترة كبيرة لارتفاع تكلفتها هذا من جانب ومن جانب اخر تجد الطبقة السياسية للدول المنتجة وفي مقدمتهم وزاراء البترول ضغوطا خارجية من الدول المستهلكة في حال ارتفاع الاسعار مقابل التزامات وخطط تنمية محلية تحتاج للمزيد من العائدات. حيرة ... فكان وزراء البترول مرتاحين جداً خلال الاشهر الاخيرة مع دولهم في تحصيل 70 دولاراً للبرميل، وغير مرتاحين دولياً لتأثير هذه الأسعار العالية في الاقتصاد العالمي والتضخم وانخفاض النمو الاستهلاكي. وهم مرتاحون خلال الاسبوع الاخير مع العالم عندما قاربت الأسعار مستوي 60 دولاراً لتأثيرها الإيجابي في الاقتصاد الدولي، وغير مرتاحين في بلدانهم التي اعتادت الأسعار العالية علي رغم أن موازنات معظم الدول المنتجة قد رُسمت علي سعر أقل من 50 دولاراً. ووزراء "أوبك"، كغيرهم من المسؤولين والمراقبين، حائرون من الصعود السريع والانخفاض الأسرع للأسعار. والأهم أنهم غير متيقنين في أي اتجاه ستسير الأسعار في المستقبل المنظور، خصوصاً في وقت يجب عليهم فيه اقتراح سعر للبترول لوضع الموازنات العامة للسنة المقبلة. لكن ما الذي حدث في السوق لكي تتغير مسيرة الأسعار بهذه السرعة والي هذا المستوي؟ المخاطر المحتملة ... فوفقا لتقرير منشور لموقع بورصة انفو، يكمن العامل الأساس في تغيّر الشعور حول المخاطر المحتملة التي تهدد صناعة البترول أكثر من أي عامل ذات علاقة بصناعة البترول نفسها. فهناك انطباع عام ساد، بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية علي لبنان ونتائجها السياسية وانطلاق المفاوضات الأوروبية - الإيرانية حول الملف النووي، بأن من الممكن معالجة هذا الملف بالطرق السلمية وليس العسكرية، ما ينفي الحاجة للقلق من انقطاع الإمدادات من الخليج في الوقت الراهن. انتهاء الصيف .. وتزامن هذا الانطباع مع انتهاء موسم الصيف في الولاياتالمتحدة حيث يزداد الطلب عادةً علي البنزين خصوصاً، والبترول الخام عموماً. كما تزامن مع انعدام أي تأثير سلبي علي الصناعة البترولية من الأعاصير التي تعصف بخليج المكسيك في هذا الوقت من السنة. ورافقت هذه الانطباعات توقعات وتحذيرات من قبل المؤسسات الاقتصادية الدولية حول مخاطر زيادة معدلات التضخم وتأثيرها السلبي في الاقتصاد العالمي، ومن ثم انعكاساتها علي انخفاض معدلات استهلاك البترول السنة المقبلة، خصوصاً فيما يتوقع كثيرون زيادة الإنتاج من دول منتجة من خارج منظمة "أوبك". المخاوف ... ويُطرح السؤال هنا: هل هذه المخاوف، أو بعضها علي الأقل، صحيحة وفي محلها؟ وهل من المؤكد أن الأزمة الإيرانية قد انتهت؟ وهل يمكن الجزم أن الطرفين سيسلكان طريق المفاوضات بدلاً من مقاطعة جزئية أو شاملة، أو حتي الدخول في صراع عسكري السنة المقبلة في حال إصرار إيران عدم إيقاف برنامجها لتخصيب اليورانيوم؟ اما نيجيريا فقد اعترف الوزير النيجيري مدابيبي ديكورو في فيينا أن ثوار "حركة تحرير دلتا النيجر" نجحوا في إغلاق أكثر من 800 ألف برميل من البترول يومياً منذ شباط (فبراير) الماضي (أو أكثر من ثلث إنتاج البلاد). العراق .. كما يصعب تصور انتهاء النحر الطائفي في العراق والاقتتال السياسي ما بين أطراف أهل الحكم وبينهم وبين قوات الاحتلال بين ليلة وضحاها، خصوصاً مع اقتراب هذه المعارك أكثر وأكثر من منابع البترول الضخمة في الجنوب، ناهيك عن التفجيرات المستمرة ضد خطوط الأنابيب في الشمال والتي جعلت من الصعب تسويق بترول كركوك بصورة طبيعية طوال السنوات الثلاث الماضية. الاعاصير .. وهل يمكن الجزم أن أعاصير لن تحدث في خليج المكسيك، فيما لا يزال شهران أمامه لينتهي موسمها؟ وفي مراجعة سريعة للطلب علي البترول، نجد أنه علي رغم كل الكلام عن احتمال تراجع نمو الطلب، فإن استهلاك الصين، مثلاً، لا يزال عند مستويات عالية. فقد ارتفع معدل استيراد البترول الخام 15% هذه السنة. وإذا دققنا في الأسباب وراء ارتفاع الأسعار في السنتين الماضيتين، نجد أن العامل الرئيس هو شح الطاقة الإنتاجية الفائضة عند الدول المنتجة. وقد تحسن الوضع بالتأكيد عما كان عليه في الأشهر الماضية، لكن الكميات المتاحة لا تزال محدودة نسبياً، خصوصاً إذا أخذنا في الحسبان أن المخاطر الجيوسياسية لا تزال قائمة، ناهيك عن أخطار جديدة قد تنشب هنا وهناك بسبب "الحرب علي الإرهاب" وعدم التمكن من تحقيق انتصارات حاسمة علي رغم الموارد البشرية والمالية والعسكرية المستخدمة.