اختار الرئيس الأمريكي جورج بوش خطاب "حال الاتحاد" السنوي ليشن حملة استفزازية ضد الدول المنتجة للبترول، لا سيما دول الشرق الأوسط. وقال في هذا الصدد "أمريكا مدمنة البترول الذي غالباً ما يستورد من أجزاء غير مستقرة من العالم... وبتطبيق ما لدي أمريكا من مواهب وتكنولوجيا، يمكن هذا البلد أن يحسن في شكل هائل بيئتنا، وأن يتجاوز اقتصاداً معتمداً علي المنتجات البترولية، ويجعل اعتمادنا علي بترول الشرق الأوسط شيئاً من الماضي". ومن ثم فان مضمون هذا الخطاب يشير الي حالة الفشل التي وصلت اليها الإدارة الأمريكية، إذ أثبتت الأحداث الأخيرة التي تشهدها الأراضي العراقية واسواق البترول العالمية أن انسياق الولاياتالمتحدةالأمريكية وراء الزعامة وتأمين احتياجاتها من البترول في الشرق الأوسط، درب من الأوهام وجلب المزيد من الخسائر. وفيما بين المزيد من القتلي في العراق وبدء تفكك تحالفها بدأت الفصول الأخيرة لانهيار إدارة بوش، فالفشل الاقتصادي يسبق الفشل السياسي وتبقي معادلة البترول الصداع الدائم للرؤساء الأمريكيين. فعلي العكس من التوقعات التي سبقت الحرب الانجلوامريكية علي العراق ظلت اسعار البترول العالمية في الاتجاه الصعودي عند فوق مستوي 60 دولارا للبرميل في الأشهر الأخيرة مقابل مستوي ال30 دولارا قبل الحرب علي العراق ، ليظل ارتفاع أسعار البترول العالمية احد أضلاع مثلث إخفاق بوش الاقتصادي الي جانب البطالة والعجز في الميزان التجاري وهو ما أدي الي التراجع المتتالي لتأييد سياسة بوش الابن. استمرار المشكلة وعلي ذلك تظل معادلة خفض اسعار البترول العالمية إحدي أهم أولويات اي إدارة امريكية جديدة فقد حاول سبعة رؤساء امريكيين تخفيض اعتماد بلادهم علي واردات البترول، خلال الثلاثين عاما الماضية، إلا أن محاولاتهم جميعا لم تكلل بالنجاح رغم اتفاقهم علي الأهمية السياسية والاقتصادية والاستراتيجية للبترول. وعندما كان ريتشارد نيكسون رئيسا للولايات المتحدة، تعهد عام 1973، اثر الارتفاع الكبير في اسعار البترول الذي صاحب حرب أكتوبر، بتخفيض واردات البترول بعد أن بلغت 40% من اجمالي الاستهلاك. غير أن ما حدث كان العكس تماما، إذ ارتفعت هذه النسبة تدريجيا حتي بلغت نحو 60% عام 2003. ولا تقتصر المشكلة علي اعتماد واشنطن بشكل كبير علي العالم الخارجي في الحصول علي البترول، ولكن المشكلة الاكبر أن قرابة نصف واردات البترول الأمريكية تأتي من الدول الأعضاء بمنظمة أوبك، الأمر الذي يجعل استقرار الاقتصاد الامريكي عرضة للأزمات السياسية في ايران او العراق او فنزويلا او غيرها من دول أوبك. ونظرا لان منطقة الشرق الاوسط تمتلك ثلثي الاحتياطي العالمي من البترول، فانه من غير المتوقع ان يقل اعتماد واشنطن علي بترول هذه المنطقة في المستقبل. بترول الآسكا وأمام هذه المشكلة يلجأ بوش الي إقناع الرأي العام بمحاولة البحث عن صيغة تحمي الحياة البرية وتمكن من استخراج البترول الآسكا التي تحتوي علي احتياطيات معقولة من البترول، لكن تكلفة استخراجه مرتفعة، كما ان جماعات حماية البيئة تقاتل بعنف لمنع تدمير الحياة البرية الفريدة وهناك اتجاه آخر تشجعه ادارة بوش حاليا، وهو تشجيع أبحاث إنتاج الطاقة الهيدروجينية بهدف تقليل الاعتماد علي البترول والغاز. وخصص بوش مبلغ 1.7 مليار دولار خلال الخمس سنوات القادمة للأبحاث الخاصة بإنتاج سيارات وشاحنات تسير بالطاقة الهيدورجينية. لكن التحول للطاقة الهيدورجينية يتطلب تخفيض تكلفتها التي تبلغ أربعة أمثال تكلفة الطاقة المولدة من البترول، كما يتطلب تحويل محطات الوقود التقليدية الي محطات للطاقة الهيدروجينية، وهي عملية ستكلف مبالغ طائلة، هذا بفرض ان العلماء الامريكيين سينجحون في تخفيض تكلفة الطاقة الهيدروجينية. البترول الافريقي هذا عن البدائل المتاحة داخل الولاياتالمتحدة، اما البدائل المتاحة خارجها فهي اكثر تعقيدا سواء في الاعتماد علي البترول الروسي او الافريقي، إذ تستورد في الوقت الحالي كميات كبيرة من البترول من أنجولا ونيجيريا، كما تستعد لبدء الحصول علي البترول من تشاد عبر خط أنابيب أنشأته شركة اكسون موبيل الأمريكية لربط حقول البترول التشادية بموانئ التصدير في الكاميرون إلا أن الاعتماد علي البترول الافريقي لا يكفي لتلبية الاحتياجات الأمريكية في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة أيضا الكثير من الاضطرابات والنزاعات بالإضافة الي الاستثمارات الضخمة التي تحتاجها تلك البلاد لاستخراج المزيد من البترول. والحقيقة أن الولاياتالمتحدة تستهلك في الفترة الحالية نحو 22 مليون برميل يومياً من البترول الخام وتستورد من هذا المجموع نحو 13.50 مليون برميل يومياً. وتبلغ حصة الدول العربية من هذه الواردات نحو 2.4 مليون برميل يومياً، موزعة كالآتي: 1.51 مليون برميل يومياً من السعودية، و523 ألف برميل يومياً من العراق، و216 ألف برميل يومياً من الكويت، و55 ألف برميل يومياً من ليبيا، والبقية كميات قليلة من دول عربية مختلفة. بمعني آخر، لا يشكل البترول العربي عموماً سوي 10% تقريباً من مجمل الاستهلاك الأمريكي ونحو 20% من الواردات. ومن اللافت أنه خلال السنوات الماضية، شكلت الصادرات السعودية نحو 15% من الواردات البترولية، وهي النسبة نفسها لكل من كندا والمكسيك وفنزويلا. وتبقي حقائق مهمة مرتبطة بنظرة اي ادارة امريكية الي ملف البترول: الأولي : أن بترول روسيا وافريقيا ووسط آسيا لن يغني واشنطن عن بترول منطقة الشرق الاوسط التي تمتلك ثلثي احتياطيات العالم من البترول. الثانية: أن بترول الشرق الاوسط هو الأرخص سعرا والأسهل استخراجا، وبالتالي فهو الأقدر علي المنافسة. الثالثة: أن الولاياتالمتحدة لا تمتلك سوي 2% من احتياطيات العالم من البترول في الوقت الذي تستورد فيه 25% من صادرات العالم من البترول. وتبقي المشكلة التي يواجهها كل رئيس امريكي هي كيفية التعامل مع عطش بلاده للبترول، وكيفية الاختيار من بين بدائل يرتبط بكل منها مشكلات بالغة التعقيد. والاهم من ذلك كيفية الابتعاد عن صحراء الشرق الاوسط بكل ما فيها من مشكلات.