يستيقظ المواطن "مصري عبدالفتاح مصري" - القاطن في إحدي قري الدقهلية - من نومه كعادته الساعة السادسة صباحا.. ليبدأ يوما جديدا في رحلة الشقاء. يوقظ اطفاله الخمسة.. يتناولون جميعا افطارا مصريا متواضعا: فول.. وطعمية في بعض الاحيان.. اما الخبز المدعوم - الذي يقدر مصري علي شرائه - فحدث ولا حرج.. وتسأل زوجته "هم مش قالوا انهم دفعوا فلوس كتير علشان العيش ممكن ناكله.. امال ليه هو زي ما هو كده.. دي البهايم مش بتاكله"!! يزجر مصري زوجته ويقول لها: بلاش كلام في السياسة الناس بتعمل اللي عليها.. يمكن الدعم ده بس لمخابز المدن والقري في مرحلة جاية. مصري موظف حكومي منذ عشرين سنة.. ملتزم.. مؤدب.. وصامت.. لا يعترض ودائما يؤمن أن رؤساءه يعرفون المصلحة. يبدأ الاطفال رحلة العناء.. محمد يطلب من والده علي استحياء حذاء جديدا بدلا من حذاء السنة الماضية.. فيقول له: أنت ما عرفتش ان البنزين غلي.. فيسأل الولد: وما شأن البنزين يابابا باقولك الجزمة مقطوعة. فيجيب الاب مصري بهدوء: يا ابني البنزين غلي معناها كل شيء ارتفع ثمنه.. ويسأل الولد: ومرتبك كمان يابابا زاد؟! فيزجر مصري ابنه ويقول: بلاش دوشة الناس بتعمل اللي عليها.. يعني ح يجيبوا لنا منين! اصبر علي الجزمة شوية. يصطحب مصري ابناءه الخمسة الي المدارس.. وسيلة المواصلات الوحيدة الممكنة الان هي اما المشي علي الاقدام او استخدام السيارة الكارو - المايكروباص لم يعد ممكنا بعد ارتفاع الاسعار.. رجلي بتوجعني يابابا: يقول عبدالله: "بلاش دوشة وإلا ح تقعدوا في البيت". وصل مصري الي مكتبه في احدي الدوائر المحلية التابعة للمحافظة متأخرا.. يخصم له مديره نصف يوم: ليه يا باشا؟! انت جيت متأخر وكان فيه مستثمر عايز مصلحة تنقضي ومشي علشان حضرتك ما جيتش.. المستثمر كان ح يعمل مشروع كبير وطبعا طفش من اشكالكم!! يشعر مصري بالذنب الرهيب فهو رجل يحب قريته وبلده ويعلم اولاده كل يوم "حب الوطن فرض علي".. يسأل مصري عن باقي زملائه: فيجدهم جميعهم متغيبين: احدهم زوجته تلد، والاخر ابنه توفي في حادث القطار، والثالث في رحلته اليومية بين مستشفيات التأمين الصحي لانقاذ امه المريضة بالكبد.. والرابع يعمل في مكان آخر لكنه لا يترك الحكومة ابدا. ينظر مصري الي ساعته بعد مضي ساعة واحدة في العمل.. يستأذن بالانصراف فهذا هو موعد عمله الآخر في احد مصانع القطاع الخاص.. مورد رزقه الحقيقي.. وهناك يقضي مصري يومه حتي الثامنة مساء يعود بعدها الي المنزل منهكا: عاملة لنا ايه علي العشاء يا ام العيال؟! تاني عدس وباذنجان الحمد لله نعمة.. المهم الفلوس تقضي الدروس الخصوصية وملابس الاولاد وعلاجهم واكيد ربنا ح يفرجها. يفاجأ مصري بقائمة الطلبات: مدرسة سلوي "الحكومية" تطلب تبرعا بقيمة 280 جنيها ثمنا "لتختة"تجلس عليها.. محمد يريد شراء كتاب التقوية وعبدالله يحتاج دروسا خصوصية لانه مقدم علي ثانوية عامة.. ام العيال تسأل: ح نجيب منين كل ده يا مصري؟! يجيبها: ربنا يفرجها.. زي ما فرجها قبل كده. تجتمع العائلة حول تليفزيون صغير.. يظهر اعلان مؤتمر الحزب الوطني: "الحزب الوطني في مصلحتك والمستقبل ليك.. بكره تشوف بعينيك". ويقرأ 5 ملايين فرصة عمل، مليار جنيه لدعم رغيب الخبز، 5 مليارات جنيه لإصلاح السكك الحديدية، 5.7 مليار استثمارات اجنبية قادمة، تأمين صحي لكل مواطن.. إلخ. يسأل اصغر ابنائه: هو الناس في الحزب الوطني دول يابابا عايشين زينا؟! يزجر مصري ابنه: بلاش اسئلة كتير.. اقفل التليفزيون ده وروح ذاكر.. الناس عاملة اللي عليها.. واكيد عارفين مصلحتنا.. يغلق الاولاد التليفزيون.. وهم يتغنون بأغنية الحزب: الحزب الوطني في مصلحتك والمستقبل ليك.. ملحوظة: مرتب مصري من الحكومة 250 جنيها ومن المصنع 350 جنيها.