إلي متي يستمر خلود نجيب محفوظ في الذاكرة العربية؟ ألح علي السؤال خصوصا وأني واحد من عشاق ثلاث روايات لهذا الرجل، وأري أن الروايات الثلاث تصل إلي قمة غير مسبوقة في هذا الكون، أولي الروايات هي الطريق، والثانية هي "ألف ليلة" والثالثة هي "الحرافيش". ولا يعني قولي هذا أن الوايات الكثيرة الباقية ليست كبيرة القامة والقيمة، ولكنه قدر قلبي الذي أحب تلك الروايات الثلاث فوق التصور، إلي الدرجة التي توجد من كل منها أكثر من نسخة، وأهديها لأولادي في أعياد ميلادهم. نجيب محفوظ يمثل في تاريخ البشرية المعاصر ما يطاول قامة سيرفانتس في أسبانيا وشكسبير في الحضارة الغربية الإنجليزية، وقامة هوجو وبروست وسارتر وكامو وجميع من تذكرهم الحضارات كقمم غير عادية، ولا أتمادي حين أقول إنه يرتفع إلي مصاف فلاسفة اليونان الأقدمين. أقول ذلك وأنا أتساءل عن قيمة الخالدين في حياتنا، هل تلك القيمة ستظل محفوظة لمجرد أن أجيالا سبقت قد قرأت لهؤلاء الأدباء الخالدين أم أنه الترديد المستمر بأن هؤلاء خالدون حقا وصدقا؟ أعلم أن مسئولية المهندس إبراهيم المعلم وحده كبيرة في هذا المجال، لأنه الناشر الأخير الذي اختاره نجيب محفوظ، وعليه أن يوقف نزيف التزييف الذي سيقوم به بعض من المغامرين سواء في بيروت أو عمان أو حتي القاهرة، وعليه فوق كل ذلك أن يجد لنفسه معاونة من وزارات التعليم والتعليم العالي كي توجد في كل مدرسة خمس نسخ علي الأقل من روايات هذا الكاتب، وذلك كي نضمن تواصل القراءة لأعمال الرجل، لا حفاظا علي ما أبدع فقط، ولكن من أجل أن تتشرب خلايا الابداع عند الأجيال الشابة بعضا من عطر التاريخ وحقيقة امتلاك المصريين رحلة طويلة في مقاومة الاندثار، هذا الاندثار الذي يحيط بنا فيما يسمي بالشرق الأوسط الجديد الذي تضعنا في فخاخة سياسة الدول الكبري، ونضع نحن خطوطه الأولي بتهالك السكك الحديدية، وبحوادث القتل العمد عن طريق مجرم محترف اسمه "الترهل"، هذا الذي يعيث في جنبات الوطن، فمرة يسقط بيتا ومرة يغرق عبارة، والقانون الدائم يؤكد أن المسئولية شائعة، بمعني أن الإجراءات القانونية لا تقدم لنا متهما محددا أو لا تقدم لنا متهما نرضي ونصدق أنه الفاعل. ومن وسائل علاج محاولة السحق والتكسير التي تترصدنا يأتي "توريث" خبرات الأجيال منقذا، ونجيب محفوظ هو خير من أهدانا الخبرات المكتوبة كي نجعلها حقا لأبنائنا كي تتولد منهم ولهم مناعة تصد الترصد القائم والمستمر. أقول: إن مسئولية اتحاد الناشرين وخصوصا إبراهيم المعلم كبيرة، يكفي أن أدب توفيق الحكيم كان منفيا بعيدا عن القارئ لسنوات إلي أن أصدره إبراهيم المعلم في طبعات جديدة، ونفس الحال مع يوسف ادريس الذي أصدر له إبراهيم المعلم أعماله الكاملة، ثم نفدت النسخ ولا تجد الآن من أعمال يوسف ادريس ما يمكن للقارئ أن يشتريه أو يحصل عليه، ونفس الحال للكاتب شديد التميز والقارئ أيضا للواقع العالمي وأعني به فتحي غانم، هذا الذي يخيم الصمت علي أعماله، علي الرغم من أنه أول من قرأ فكرة صدام الحضارات، وكيف تستغل الولاياتالمتحدة بعضا من قيادات التيارات الإسلامية كي يلعبوا باحتراف في ملعب التطرف، فتتاح للدول الكبري خصوصا الولاياتالمتحدة فرصة العبث بمقدرات شعوب هذه المنطقة. تري من يصون للأجيال خلود الكتاب الذين أحسنوا قراءة الواقع لنختار مستقبلاً مختلفاً؟ السؤال في انتظار إجابة