هي حكاية ليست جديدة ولا يجب أن تصدمنا وتحبطنا.. حكاية الحاكم العربي الذي بعث برسالة سرية إلي ايهود أولمرت رئيس وزراء اسرائيل يقول فيها إنه يؤيد العمليات الإسرائيلية في لبنان ويشعر بضرورة تحيته وتشجيعه في هذه اللحظة ويطالبه بمواصلة العمليات حتي النهاية، وانه ومعه أوساط كبيرة مسئولة في العالم العربي يتمنون له النجاح. وصحيفة يديعوت آحرونوت الاسرائيلية التي نشرت نص الرسالة، قالت انها جاءت من حاكم عربي لبلد لا يقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، تقول إيضا أن أوساط وزارة الخارجية الاسرائيلية تؤكد أن ثمة محادثات سرية جرت مع عدد من الدبلوماسيين ووزراء الخارجية بل وبعض رؤساء الدول العربية حول العمليات الاسرائيلية في لبنان، وكلهم يساندون اسرائيل ويطالبون بالقضاء علي حزب الله لأن ذلك من وجهة نظرهم يصنع معروفا للبنان ولكل المنطقة التي عانت من حزب الله ورئيسه حسن نصر الله. البعض أحس بالصدمة والبعض تشكك وفريق ثالث ديماجوجي مازال يهتف مثل أحمد سعيد المذيع الهمام والصحاف وزير الاعلام العراقي أيام صدام، أمجاد يا عرب أمجاد، مع أن نظرة موضوعية إلي أوضاع العالم العربي والمناقشات التي تجري ومازالت تجري في أزوقة الجامعة العربية سواء منها تلك التي أدانت ما أسمته بالتصرفات غير المسئولة وغير المحسوبة لحزب الله، أو حتي تلك التي تؤيد وتساند لفظيا تكشف هذا الواقع المرير الذي أصبح فيه النظام العربي القائم مصابا بشيزوفرانيا حقيقية، وعجز من الدرجة الثالثة التي لا تنفع فيه اصلاح أو علاج. إن كاتبا أمريكيا مثل توماس فريدمان الوثيق الصلة بأجهزة القرار الأمريكي يقول انه ولأول مرة تقود إسرائيل معركة ضد بلد عربي وتساندها دول عربية ذات تأثير اقتصادي ومعنوي كبير. وتوماس فريدمان ليس دقيقا في مقولته، فهناك سوابق كثيرة لطابور خامس من بعض الأنظمة العربية التي كانت تساعد وتستعدي اسرائيل والولاياتالمتحدة علي دول عربية أخري تحت شعارات كثيرة أبسطها ضرب النفوذ الشيوعي في المنطقة ومحاصرة حركة التحرر العربي التي اتهمت أيامها بالشيوعية. ومن منا ينسي دور بعض الدول العربية بالتعاون مع بعض القوي الداخلية في مساندة العدوان الثلاثي علي مصر سنة 1956 تحت دعوي أن مصر تسعي إلي السيطرة علي العالم العربي وعلي ثرواته، ومن منا ينسي الدور الذي لعبته دول حلف بغداد، ثم الحلف المركزي بعد ذلك في استنزاف حركة التحرر العربي والعمل علي محاصرتها وضربها سواء في اليمن أو في ضرب الوحدة المصرية السورية. بل من يستطيع ان ينسي ما نشرته الوثائق الأمريكية ومذكرات الرئيس الأمريكي الأسبق ليندون جونسون بأن بعضا من الحكام العرب كانوا يستحثونه لضرب مصر وان خطة الحرب الخاطفة التي قامت بها اسرائيل في يونيو 1967 كانت بتخطيط ومساندة أمريكية مطلقة وبمساندة وتأييد ضمني من بعض الأنظمة العربية المرتبطة مصالحها البترولية بالولاياتالمتحدة. ولكن التاريخ لا يعيد نفسه، فقد كانت هزيمة 1967 ومن قبلها عدوان 1956 في ظل الثنائية القطبية ووجود معسكرين متنافسين أحدهما تقوده الولاياتالمتحدةالأمريكية ويضم الدول الغربية وبعض الأنظمة في العالم العربي، والآخر يقوده الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي وفي تحالف مع حركة التحرر العربي، وأصبح الصراع العربي الاسرائيلي جزءا من الصراع العالمي ولذلك تحول العدوان الثلاثي علي مصر 1956 إلي هزيمة منكرة لاسرائيل ولفرنسا وانجلترا في ذلك الوقت بعد الانذار السوفيتي الشهير لضرب تل أبيب ولندن وباريس ما لم ينسحب من الأراضي المصرية. وهذا العامل أيضا هو الذي ساعد مصر في شن حرب أكتوبر التحريرية عام 1973 والتي أحدثت شكلا من اشكال التوازن في المنطقة وأدت تداعياتها إلي تحرير سيناء حيث كان هناك معسكر آخر يراهن علي العالم العربي ويمده بالسلاح والمساندة الدولية. والأمر اليوم يختلف فأمريكا تقف منفردة علي سقف العالم عسكريا واقتصاديا وغالبية الانظمة العربية الراهنة ترتبط مع الولاياتالمتحدة بعلاقات استراتيجية حتي تلك التي كانت تقود حركة التحرر العربي لذلك كانت مواقف بعض الانظمة العربية واضحة هذه المرة إلي حد كبير. وأيا كانت نتائج الحرب المفتوحة وغير المتكافئة والتي تجري الآن وتقودها اسرائيل وأمريكا ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني مع صمت عربي وموافقة ضمنية من بعض الأنظمة، إلا أن تلك الأيام سيكون لها ما بعدها. فقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك ان النظام العربي القائم قد انفصل تماما عن الشارع العربي واتجاهاته وان هذه الانظمة تضع امنها واستمرارها في السلطة قبل بل وعلي حساب أمن المجتمعات والشعوب التي تحكمها، مع أن أي نظام للحكم يستمد شرعيته وسلطته بالعمل علي تحقيق أمن المجتمع الأمن السياسي والاقتصادي القائم علي المشاركة والعدالة الاجتماعية. إن التاريخ لا يعيد نفسه هنا، ولكن الذي لاشك فيه ان النظام العربي القائم والمعاصر يذكرنا بالنظام العربي الذي كان قائما أيام هزيمة 1948 والذي أقنع الكثير من الشعوب العربية بأن تحرير فلسطين وتحرير الأراضي العربية تبدأ من تحرير هذه الشعوب من تلك الأنظمة.