حين تعرضت لأحلام وزير التنمية الإدارية "من أجل إدارة أفضل"، كنت أؤكد علي "نياته الطيبة" وقلت إنها وحدها لا تكفي. ذلك أن مشوار أي ورقة يستغرق وقتا يفرض في بعض الأحيان الرشوة والواسطة وهما من أمراض الإدارة في مصر. وقد حلمت مع الوزير أن يشعر الناس أن الإدارة لم تعد عجوزا وان عصرا من تبسيط الإجراءات الورقية قد بدأ. وقد كنت احذر من الافراط في الأماني لأن الجهاز الإداري في مصر له تراكمات وربما موروثات. ذلك ان الأمر إذا صدقت النيات سيعتبر "نقلة" مهمة في حياة مصر. فالجهاز الإداري هو: موظف ورئاسة وبيئة عمل. هذا هو التلخيص الواقعي لمشوار الورقة التي يأمل صاحبها ألا "يدوخ السبع دوخات" حتي يحصل عليها. وقد شاءت الصدفة ان اقرأ بعضا من "دوسيه مشروعات التنمية الإدارية" التي أعدها الوزير د. أحمد درويش، وتبين لي أن وزارة التنمية الإدارية تقود برنامجا طموحا للحكومة الالكترونية كان محل "تقدير خاص" في تقرير الأممالمتحدة عام 2005 وأفرد صفحة كاملة لمصر التي تقدمت لتحتل المقعد 58 من 191 لتسبق بعض دول غرب أوروبا مثل إسبانيا والبرتغال. وكان الدوسيه يشير إلي ان "المهمة صعبة" في تغيير ميراث ثقيل متراكم علي مدي أعوام طويلة، ولكن من المؤكد ان رحلة الألف ميل بدأت. إن مدخل العلاج لأمراض جهازنا الإداري هو وضع "روشتة" بعد تشخيص المرض بعناية. هناك افكار وهناك أيضا مبادئ حاكمة. وتبني مجلس الوزراء لمشروع وزارة التنمية الإدارية يبدأ كما فهمت من الأوراق بتعديل "قانون الوظيفة العامة" وهو قانون سيتيح عدة آليات للارتقاء بالموظف العام، فالتغييرات علي نظام "مؤسسي" وليس مجرد قرارات وزارية عشوائية احيانا ومتناقضة احيانا أخري! لقد كنت دائما أتبني قضية مهمة في الإدارة هي "سيف المعز وذهبه" أي الثواب والعقاب. لابد من وضع قضية الحوافز التي أشار لها ليبرمان في علم الإدارة. لابد من الطموح. إن بعض ما يحزنني هو ان بعض الموظفين في جهازنا الإداري يحصلون علي شهادات عالية بهدف تغيير الموقع وزيادة المرتب ولكن هناك بعبع اسمه "نظام الدرجة" يجعل الموظف الطموح في مكانه دون أية زيادة في المرتب.. انها "وأد الطموح" في الجهاز الإداري. لكن مشروع قانون الوظيفة العامة يحمل رسالة قوية ليس فقط للفاسدين بل للمقصرين، إذ ينطوي علي تعديل رادع لأسلوب الحساب والجزاء وتدعيم لسلطات القيادات لمحاسبة المرءوسين مع نظام رقابة صارم للقيادات. معني هذا ان الوزير أحمد درويش يتحرك بأفكاره من مجرد النيات الطيبة إلي أرض الواقع. وكما كان يقال دائما إن "النظرية تصاغ في التجربة" فإن بروز اخطاء أو فهم مثالي للمشكلة، سوف يتغير وللدقة يتعدل. ولا شك ان "قوة النموذج" في مصر مهمة جداً. نعم ان جهازا إداريا متواضعا في دبي يعرف ان الردع في حالة التقصير وارد جداً بل ويعلن هذا. واعرف عبر زيارات لدبي ان محمد بن راشد يفاجئ أحد بنوك الدولة بزيارة ويخصم نصف شهر من مرتبات موظفين تأخروا عن الثامنة صباحا ويعلم انه لاحظ وجود فاصل زجاجي بين الموظف والجمهور في التعاملات البنكية فأمر بإلغاء هذا الحاجز وقال "لا شيء يفصل بين الموظف والمواطن". وأعود إلي جهاز إداري ضخم كجهاز مصر. يكفي من عشرة إلي مائة جزاء رادع "معلن" لكي تنضبط الأمور. وكذلك "الجزاء أي الثواب" مهم لأن هناك نغمة لا احبها تسود بين الموظفين "وحياتك اللي بيشتغل بضمير زي اللي مابيشتغلش". لابد من التمييز، فهذه معادلة الحياة السوية. إن الجهد الشعبي ضرورة لتدعيم "أحلام درويش" وإرادته ومشروعاته حتي تتحقق بعضها. ان "نقلة" وزارة التنمية الإدارية لجهازنا الإداري قضية معنوية قد تحتاج وقتا، ولكن يكفي ان "نفكر" في التغيير للموروثات الإدارية المتراكمة. فالتفكير هو البداية الطبيعية. فالفعل يجب ان يتقدم علي "القول".