من الجدير بالملاحظة ان بيتر جالبرايت الذي تولي ادارة الحكومة الانتقالية في تيمور الشرقية منذ انفصالها عن اندونيسيا في ديسمبر 2001 وحتي اغسطس 2002 كان وراء ضم المناطق الغنية بالنفط والغاز الطبيعي في بحر تيمور الي الدولة المستقلة حديثا وبيتر جالبرايت هو نفسه الذي تولي الدعوة الحثيثة لاقامة حكومة كردية مستقلة في شمال العراق يربطها ببغداد نظام فيدرالي وهو يدعو لتكرار نفس تجرتبه مع تيمور الشرقية من خلال تحقيق سيطرة الاكراد علي نفط كركوك عبر استفتاء لتقرير المصير ينتهي بإقامة دولة كردية مستقلة الامر الذي يصب في النهاية في مصلحة شركات النفط الغربية والامريكية العملاقة فمن الطبع ان تسعي هذه الشركات لتأييد الحركات الانفصالية في الاقاليم الغنية بالموارد الطبيعية عل سبيل المثال تيمور الشرقية وجنوب السودان" حيث يسهل ربط الكيانات الصغيرة والتي تكون خارجة لتوها من انتماء اكبر اذعان عبر حكومات عميلة، بعدما اصبحت هذه الكيانات بلا سند سوي المساعدات الاجنبية وما تستلزمه من تبعيه او تواجد قواعد عسكرية تضمن سيطرة القوي الكبري. اتفاقيات مجحفة فبعد استقلال تيمور الشرقية بدأت الدولة البحث عن سبل استغلال الثروة النفطية الموجودة في مياهها الاقليمية او علي الاقل تلك الحدود المورثة عن فترة الحكم الاندونيسي لان اندونيسيا كانت قد وقعت عل معاهدة ترسيم الحدود البحرية للاقليم مع استراليا قبل جلاء البرتغاليين فيما عرف بثغرة تيمور الواقعة بين الارخبيل الاندونيسي واستراليا واعادت الدولتان الكرة سنة 1989 مقابل اعتراف الاخيرة بشرعية الاحتلال الاندونيسي للاقليم. وهرعت الادارة الانتقالية لهيئة الاممالمتحدة في تيمور الشرقية سنة 2000 لابرام اتفاقية مع الاستراليين تتقاسم في الدولتان نظريا - واردات الانتاج للمنطقة الاقتصادية المشتركة مناصفة وتعلل هذه الخطوة بحاجة الكيان الناشئ الماسة لموارد تنعش بها اقتصادا اصبح اثرا بعد عن عين اثر الاضطرابات التي دمرت الاقليم في سنة 1999 وهنا مربط الفرس فتسرع الاممالمتحدة كلف التيموريين الكثير لان الطرفين توصلا لاتفاقية انتقالية في 2001 تضمن لتيمور 90% من الواردات من حقل بايو - اوندان في المنطقة الاقتصادية المشتركة او منطقة الانتاج النفطي المشتركة كما اعيد تسميتها في تلك المعاهدة الانتقالية بعبارة اخري تنازل الاسترالييون عن ذلك الحقل مقابل عدم اعادة ترسم الحدود مما سمح لهم بالبدء في استغلال الحقول الاخري التي يبدو انهم كانوا عل دراية باحتياطياتها وهذا هو سر اصرارهم عل تفادي التحكيم لوقوع تلك الاحتياطات في مناطق تعود ملكيتها لتيمور اي انهم سقوا ظمأ التيموريين بقطرة ماء واحتفظوا لأنفسهم بالقربة كاملة. وقد نص احد بنود الاتفاقية الاخيرة علي ايجاد منطقة اقتصادية مشتركة يتم تقاسم الانتاج فيها بين الطرفين وكانت هذه المعاهدة مجحفة في حق تيمور الشرقية لتركها ما يقدر قيمته بسبعة مليارات دولار قبل ان تصل الاسعار الي مستوياتها الحالية من مخزونات الغاز الطبيعي والنفط في الجانب الاسترالي من المنطقة الاقتصادية المشتركة التي اوجدتها تلك الاتفاقيات ايضا تحصل استراليا علي 72% من مجموع الواردات من كل الحقول في ثغرة تيمور و68% من تلك التي تقع بالقرب من شواطئ تيمور الشرقية. ومن الواضح ان هذا هو السبب في مسارعة استراليا بإرسال قواتها بمجرد حدوث اي اضطراب في تيمور الشرقية التي تمثل موردا لا يستهان به للنفط والغاز كما تمثل منطقة نفوذ استراتيجية وهي السبب ايضا في اصرار الاستراليين علي تولي قيادة قوات حفظ السلام التي وصلت العاصمة دالي مؤخرا ومن هنا تقدم تيمور الشرقية درسا اخر اكثر وضوحا لحقيقة شعارات حقوق الانسان او حق تقرير المصير او في مناسبات اخري نشر الديمقراطية التي تسارع القوي الكبري للالتحاف بها بمجرد ان يكون هناك لمصالحها فكما اوضحت الاحداث كانت الدول الراعية لحق تقرير مصير تهديد للتيموريين الشرقيين والمنددة بالانتهاكات التي تمارس ضدهم من قبل النظام الاندونيسي نفسها ذات القوي التي ساندت استيلاء اندونيسيا علي الاقليم ودعمت ممارساته القمعية ضدهم طوال 25 عاما لكن المصالح في كل مرة كانت مختلفة ولم تكن هذه الشعارات بالطبع مقصودا بها مصالح التيموريين الذين لم يشعر اغلبهم بتغيير في مستوي معيشته في ظل الاستقلال عنه تحت الاحتلال سواء الاندونيسي او البرتغالي. السراب ومن ثم يتعين النظر بعين مدققة فيما تقدمه فيما ترفعه هذه القوي من شعارات وماتقدمه بدعوي هذه الشعارات مساعدات لحركات الانفصال او التغيير خاصة في منطقتنا العربية المستهدفة فلا شك ان دعاوي استقلال الاكراد بكركوك وشمال العراق او الدعاوي الانفصالية المختلفة في السودان - سواء جنوبه او غربه او شرقيه - ومثلها الدعوي لفصل اقليم النوبة عن كل من مصر والسودان ليست سوي مخطط لتفتيت الاوطان بدعوي حماية الاقليات والدفاع عن حقوقها والملاحظ ان هذه اللاقليات التي ترتفع الاصوات لدعمها لابد وان تكون - بالصدفة المتكررة علي نحو عجيب من ابناء اقاليم تتميز بثروات طبيعية او بمواقع استرتيجية حساسة. فالعراق الذي كان يمثل قوة عربية مهمة تهدد مطامع الاستعمار اعتمادا علي قوة عسكرية لا يستهان بها فضلا عما لديه من اوراق ضغط اقتصادية تتمثل في ثروته النفطية تم الاستيلاء عليه وترتيب اوضاعه بحيث يظل لفترة طويلة رأس حربة القوي الاستعمارية في المنطقة لمواجهة اي تمرد علي القطب الاوحد يأتي من اي من الدول المارقة كما ضمنت شركات النفط العملاقة سيطرتها الي اجل غير مسمي علي موارده النفطية ولسنا بحاجة للتذكير بما آل اليه حال تطلعات بعض العراقيين للتغيير اعتمادا علي القوي الاجنبية التي رفعت شعارات الحرية والديمقراطية ولعل اكراد العراق يبادرون الي التخلص من اوهام الانفصال والسيطرة علي حقول كركوك التي ستؤدي في النهاية الي خروجهم كما يقول المثل من المولد بلا حمص عندما يكتشفون بعد فوات الاوان ان هذه الحقول لن يذهب خبيرها الا لمن ساندوا دعوتهم الانفصالية وزينوها لهم. كما نأمل ان يعيد الانفصاليون في السودان - او بالاحري المخلصون منهم ،النظر في اجندتهم وتلمس مواضع اقدامهم والبحث عن سبل اخري تضمن لهم المشاركة السياسية واقتسام الثروة دون تفتيت الوطن الام خاصة وان الخبراء كانوا يتوقعون ان يصبح السودان من الدول العشر الاسرع نموا في العالم خلال فترة قصيرة وبعدما اكدت الاكتشافات النفطية فيه انه سيصبح منتجا متوسطا للنفط خلال سنوات قليلة.