نعم إنها مصر لا نقولها حباً وكرامة فقط ولكن نقولها فهماً وإيماناً وثقة ويقيناً.. إنها مصر.. التي يجب أن تشكل "حلمنا الكبير" ماذا نريد لها خلال العشر أو الخمس عشرة سنة القادمة.. هل يجوز لنا أن نحلم بأن نصبح خلال عشر أو خمس عشرة سنة في مصاف أكبر ثلاثين دولة متقدمة علي مستوي العالم؟ وهل يجوز لنا أن نعتبر ذلك أمراً ممكناً أم أنه مجرد أضغاث أحلام؟ حلمت هذا الحلم وحملت هذا التساؤل في ذهني وظللت أردده واكتبه في مجلة كانت تصدر عن الشعبة العامة للمستثمرين لاتحاد عام الغرف التجارية برعاية المصري الأصيل د. نادر رياض الذي تولي رئاسة تحرير تلك المجلة في حينه وكنت أكتب هذا الحلم بتنويعات مختلفة في الصفحة الأخيرة من المجلة تحت عنوان "مصر التي في خاطري".. تذكرت هذا واستعد وأنا أتأمل حال بعض الدول التي بدأت تجربة التنمية معنا وبعضها بدأها بعدنا واستطاعت ان تركب قطار التنمية المتكاملة والمستدامة لتصل إلي آفاق الدول الأكثر تقدماً ووصفت تجربتها احيانا بالمعجزة واحيانا بالنمور ثم تعرضت بعضها لكبوات ولكنها استطاعت ان تدير الأزمة وان تفك شفرة العلاج وان تنطلق من جديد وتجربة ماليزيا في هذا الشأن جديرة بالمراجعة والتحليل. كما تزاحم في ذهني واستحضره عقلي ووجداني ذلك الحلم الذي أمسك به من فترة ومازال يعيشه ويدعو إليه النائب محمد أبو العينين رئيس لجنة الصناعة بالمجلس فالرجل في كل مناسبة يؤكد علي ضرورة ان تكون لدينا رؤية Vision لمصر المستقبل موقعاً ومكانة وقدرات وإمكانيات تجعل منها واحدة من الدول الأكثر تقدماً. استحضرت كل ذلك وفي ذهني سؤال يلح ألا تحلم الحكومة مثلاً وألا تؤمن بإمكانية تحقيق ذلك الحلم أما ان الحكومات ليس من حقها أو ربما ليس من مهامها ان تحلم وهي مشغولة بإدارة شئون البلاد والعباد فلا وقت لديها للحلم أمام تحديات يومية تواجهه في إدارة دولاب العمل.. ألح السؤال علي وأنا أحضر ندوة نظمتها شعبة المحررين الاقتصاديين بالتعاون مع منتدي الاستثمار وبرنامج المساعدات الفنية التابع ل usaid حول أساليب ونظم تقييم الشركات ووجدت وزير الاستثمار د. محمود محيي الدين الذي أحمل له كل التقدير وأصب عليه وعلي رفاقه كثيراً من الأمل يطرح الموضوع في معرض عرضه لبرنامج إدارة الأصول الذي نطلق عليه الخصخصة فقد توقفت طويلا عندما عرض لهذا البرنامج بالشرح والتحليل وسيكون ذلك موضع حديثنا في وقت لاحق وقال عن المشكلات والعقبات والإنجازات التي تمت في هذا الإطار وأشار وهو يأخذ نفساً عميقاً ان تلك المشكلات المتعلقة بالتقييم وتحديد الاسعار وغيرها يمكن ان نتعامل معها ولكن ذلك كله لا يجب ان يشغلنا عن التفكير في أن نجعل كل جهودنا وكل فكرنا يتجه نحو ان نجعل هذا البلد العزيز مصر واحداً من أكبر عشرين أو ثلاثين دولة علي مستوي العالم خلال عشر أو خمسة عشر عاما وأشار إلي ما نوهنا عنها هنا بأن بلداناً بدأت معنا التنمية وسابقتنا ثم أخذ يؤكد اننا نستطيع ان نحقق ذلك الهدف وان الأمر ليس في حاجة إلي معجزة.. استمعت إلي الرجل بعبارته القوية الصادقة وكأنه كان يخاطب ما يدور في عقلي ووجداني أقول لنفسي ها هي الحكومة أيضا أو علي الأقل بعض أبرز أعضائها يحلمون معاً ويثقون في إمكانية تحقيق هذا الحلم.. والحلم هنا هو أمل صادق نملك القدرة علي تحقيقه. كدت أهتف من اعماقي لوزير الاستثمار د. محمود محيي الدين الذي انهالت عليه أسئلة المحررين الاقتصاديين من خلال المنتدي بل ان بعضها لم يكن مجرد استفسارات ولكنه انطوي علي اتهامات ورد الرجل بكل جدية ومصداقية وهدوء علي ما وجه إليه بل ونبهنا إلي ما يجب ان نسعي لتكون مصر عليه في مقبل السنوات.. أيها السادة تلك هي مصر التي في خاطري وخاطركم وتلك هي الدعوة التي نريد ان نتمسك بها ونتناقش حولها ونتوافق بشأنها.. مصر التي تخلو من الأمية.. مصر التي تجتذب الاستثمار من كل صوب ومكان.. مصر التي تضع ثرواتها البشرية في المقدمة إعداداً وتدريباً وتشغيلاً وحفاظاً علي حقوق المواطنة.. مصر التي يتكامل فيها النمو الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.. مصر التي يتعاون أهلها جميعاً وكل المخلصين من أبنائها علي اقتلاع الفساد من جذوره وفي كل صوره وأشكاله في أي موقع كان.. مصر التي توفر فرص التعليم لجميع فئات المجتمع تعليم يضعها في الصدارة ويؤكد دورها في بناء الحضارة. مصر التي في خاطري تفتح الأبواب والنوافذ أمام مشاركة المجتمع المدني في إحداث النهضة الكبري.. مصر التي تحقق إصلاحاً سياسياً يتعانق مع الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي لكي تكون في مكانها ومكانتها التي تستحقها بين العالمين. وربما أريد ان أتوقف عند كلمة الحلم لكي أوضح انها عندي مرادفة لرؤية الأبعاد أو بلغة المختصين الاستراتيجية الأشمل والأمل الحافز علي العمل وليست أبداً أحلام يقظة أو تحريك مشاعر في الفضاء أو استسلام للوهم.. انها الرؤية الصادقة التي تحرك الإرادة وتحركها والتي تدفع للعمل والأمل.. فأنا مثل غيري أوقن انه لو بطلنا نحلم نموت علي ان يبقي الحلم بالمعني الذي أشرنا إليه. ويأتي السؤال: ماذا نفعل لتحقيق هذا الحلم أو هذا الأمل الذي لم تتوقف مصر يوماً عن مداعبته والسعي نحوه بخطي قد تبطئ وقد تسرع بحسب عوامل عديدة تسود في الزمان والمكان ولكن يبقي ونحن نسعي نحو الإصلاح بكل أبعاده اقتصاديا وسياسياً واجتماعياً ان يبقي هذا الحلم وان نضع السبيل لتحقيقه وان يشارك كل طرف فيه ونحن جاهزون لكي نحقق مصر التي في خاطري. ومرحباً بكل رأي وكل فكر يضيء شمعة أو يمهد طريقاً في هذا السبيل.