علي الرغم من صدور قرار الإدانة في فضيحة إنرون ضد كل من كينيث لاي رئيس مجلس الإدارة وجيفري سكيللنج الرئيس التنفيذي للشركة فإن قادة الشركات الأمريكية لايزال في جعبتهم الكثير من الألاعيب لخداع المستثمرين وحملة الأسهم والتربح علي حسابهم.. وعلي سبيل المثال فإن التحقيقات لاتزال جارية بشأن مخالفات القادة التنفيذيين السابقين لشركة الرهونات العقارية فاني ماي الذين كانوا يبالغون في مكاسب الشركة لتبرير ما يحصلون عليه من مكافاَت.. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إنه ينتظر أن تسفر هذه التحقيقات عن تهم جنائية توجه إلي قادة فاني ماي السابقين وتقود بعضهم إلي السجن. وأحدث الفضائح في هذا الشأن هي فضيحة التلاعب في تواريخ الأسهم المختارة من جانب العديد من قادة الشركات الأمريكية وبالذات خلال حقبة التسعينيات، ففي هذه الحقبة راجت الأسهم المختارة كوسيلة مفضلة لمكافأة قادة الشركات الذين اعتبروها وسيلة كثيرة الفرص وقليلة المخاطر. والمشكلة باختصار أن قادة الشركات كانوا يتلاعبون في تواريخ الأسهم المختارة حيث يسجلون تاريخها في اليوم الذي يكون فيه سعر السهم أدني ما يمكن ثم يستفيدون بفارق الأسعار بعد ذلك وهي عملية غير قانونية وتمثل سرقة علنية للشركة. وفي عام 1992 أصدرت هيئة مراقبة البورصة قرارات تحتم علي قادة الشركات الإبلاغ عما يتلقونه من أسهم مختارة في غضون 45 يوما من تلقيها فضاقت فترة التلاعب في التواريخ أمام قادة الشركات إلي 45 يوما فقط ولكن عملية التلاعب لم تتوقف. وكان أول من كشف عملية التلاعب عام 1997 ديفيد ييرماك الاقتصادي في جامعة نيويورك حيث لاحظ أن الشركات تعطي قادتها الأسهم المختارة قبل أيام من حدوث قفزة كبيرة في أسعارها ولم يكن الأمر في تقديره مجرد ضربة حظ لصالح القادة التنفيذيين واستنتج محقا أن توقيتات منح الأسهم المختارة تتزامن مع قرب إعلان الشركات عن أنباء سعيدة ترفع سعر السهم ولكنه لم يذهب إلي أبعد من ذلك. وفي العام الماضي قام ايريك لي الباحث في جامعة إيوا بدراسة حركة أسعار الأسهم قبل وبعد منح الأسهم المختارة لقادة الشركات وشملت دراسته 5977 حالة من الأسهم المختارة خلال الفترة من عام 1992 حتي عام 2002 وتوصل الرجل في دراسته إلي احتمالين لا ثالث لهما.. الأول أن يكون لدي قادة الشركات جميعا قدرات غير عادية للتنبؤ بصعود أسهم شركاتهم في وقت محدد.. والثاني أن قادة الشركات يتلاعبون في تواريخ قيد أسهمهم المختارة فيسجلونها بأثر رجعي عندما يكون السهم عند أدني أسعاره. وتذكر مجلة "فورتشن" أن لجنة مراقبة البورصة سبق لها أن حققت في حالات محدودة للتلاعب بتواريخ قيد الأسهم المختارة، ولكن دراسة ايريك لي هي أول دليل علي أن هذا التلاعب كان ظاهرة عامة ومنتشرة.. وقد اعتمد الرجل في دراسته علي اَلاف الوثائق التي تخص لجنة مراقبة البورصة الأمريكية والمسجلة في موقعها علي الانترنت إلي جانب قاعدة بيانات السوق الخاصة بجامعة شيكاغو. وتجدر الإشارة إلي أن ظاهرة التلاعب بتواريخ الأسهم المختارة قد اختفت نظريا علي الأقل مع صدور قانون سربانيز اوكسلي عام 2002 الذي يحتم الإبلاغ عن الأسهم المختارة في غضون 48 ساعة من الحصول عليها.. ولكن ذلك لم يمنع من تفجر حالات كثيرة من التلاعب في هذه التواريخ.. ففي يوليو 2005 أعلنت شركة البرمجيات ميركيوري إنتر أكتف أن ثلاثة من قادتها قد تلاعبوا في تواريخ ما حصلوا عليه من أسهم مختارة وقامت بالتخلص منهم.. ومنذ ذلك التاريخ تم ضبط حالات تلاعب أخري في 20 شركة من بينها شركة يونايتد هيلث جروب وشركة مكافي لبرمجيات أمن الكمبيوتر. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن قيمة الأسهم المختارة التي حصل عليها قادة شركات مؤشر S&P500 في عام 2001 بلغت 75 مليار دولار ولكن تفجر فضائح الأسهم المختارة أدي إلي التراجع النسبي عن هذه الوسيلة لمكافأة قادة الشركات حيث لم يتجاوز ما حصلوا عليه من شركات S&P500 في عام 2004 نحو 25 مليار دولار فقط.. وقد أصبحت هناك وسائل بديلة مثل نظم التأمين الصحي والتقاعد السخية ومثل الأسهم المختارة المقيدة ومكافاَت الأداء وغير ذلك. ولكن يظل التلاعب في تواريخ الأسهم المختارة جريمة تكبد الشركات الكثير من الخسائر وفي حالة شركة يونايتد هيلث جروب التي حصل رئيسها علي 6.1 مليار دولار من الأسهم المختارة خسرت الشركة 13 مليار دولار من قيمتها السوقية منذ الإعلان عن التحقيق معه في هذه الجريمة نتيجة لانخفاض سعر أسهم يونايتد هيلث في البورصة.